لقد جعل الله تعالى البيت مرجع الخلق، ومهوى الأفئدة؛ وفطرهم على الإثابة إليه مرة بعد مرة؛ فتتوق إليه أرواحهم شوقاً، ولا تكلُّ منه جوارحهم عملاً؛ لأنه أصل هدايتهم، ومدار صلاحهم، قال الله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة:125].
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: علّقت القلوب على محبَّة الكعبة البيت الحرام، حتى استطاب المحبُّون في الوصول إليها هَجْرَ الأوطان والأحباب، ولو أمكنهم لسعَوا إليها على الجفون والأحداق. [زاد المعاد].
إنهم وفد الرحمن من قاصدي بيت الله الحرام لأداء مناسك العمرة؛ الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ وَفْدُ اللَّهِ، دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ، وَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ) [أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه].
وفدٌ أجاب النداء وقصد بيت ربه عز وجل لأداء مناسك العمرة جديرٌ بأن تكون له هذه المنزلة الكريمة والجليلة عند الله تبارك وتعالى، وجدير بأن يكرمه ربه عز وجل بالأجر والثواب والمنح والعطايا.
فهو بمجرد خروجه من بيته يؤم البيت الحرام؛ فإن له بكل وطأة تطؤها راحلته يكتب الله له بها حسنة، ويمحو عنه بها سيئة، وإذا حلق رأسه فإن له بكل شعرة تسقط حسنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام، فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو عنك بها سيئة..وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة) [رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع].
إن هذا الفضل العظيم؛ والجزاء الجزيل؛ الذي أعدّه الله تعالى لوفده الكريم من قاصدي بيته الحرام لأداء مناسك العمرة؛ خليقٌ بأن يستثير عزائم فضلاء الناس، ويدفعهم للإكثار من أداء العمرة؛ بغية نيل المزيد من الأجر والثواب من لدن الكريم المنّان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) [متفق عليه]، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنّهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكبر خبث الحديد والذهب والفضة) [أخرجه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
فهنيئًا لكل معتمرٍ وفد إلى بيت الله هذه المنح والعطايا والهبات، وهذا الأجر والثواب الجزيل!
وممّا يجدر التنبيه إليه: أنّ إقبال هذا الوفد الكريم على بيت الله الحرام، ووفودهم إليه؛ يستوجب على أهل مكة حُسن الوفادة لهم، وخدمتهم، وإكرامهم، والإحسان إليهم..كيف لا؛ وهم قد جاءوا يلبُّون نداء الله، استجابة لأمره، وطلبًا لرضوانه؟!
يجلّي ذلك الحقّ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بقوله: لو يعلم المقيمون ما للحجاج عليهم من الحقّ لأتوهم حين يقدمون حتى يقبّلوا رواحلهم، لأنهم وفد الله من جميع الناس. [أخرجه البيهقي في شعب الإيمان].
الباحث بمشروع تعظيم البلد الحرام