من تعظيم البلد الحرام إحياء السنن والقضاء على البدع
وقد اهتم بهذا كثير من خلفاء المسلمين وعلمائهم، ومن أمثلة قيامهم بمثل هذا العمل الجليل:
- قدم الصاحب زين الدين أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن حنا إلى مكة سنة إحدى وسبعمائة فرأى بالكعبة المشرفة بدعة يقال لها العروة الوثقى، وهي أن بعض الفجرة المحتالين عمدوا إلى موضع عالٍ من جدار البيت المقابل لباب البيت فسموه بالعروة الوثقى، وأوقعوا في قلوب العامة أن من ناله بيده فقد استمسك بالعروة الوثقى، فأحوجوهم إلى أن يقاسوا في الوصول إليها شدة، وعلى أن يركب بعضهم فوق بعض، وربما صعدت النساء فوق الرجال ولامسن الرجال ولامسوهن، فلحقهم بذلك أنواع من الضرر الديني والدنيوي؛ فلما رأى ذلك الصاحب تلك البدعة الشنيعة أنكرها إنكارا شديدا وأمر بإزالتها في الحال، فالحمد لله على ذلك.
- سعى الأمير بيبرس الجاشنكير سنة ثنتين وسبعمائة عند الملك الناصر صاحب مصر بأن بمكة المشرفة جملة من البدع، منها الأذان بحي على خير العمل، ومنها إمام زَيْدي بالمسجد الحرام، ومنها بعض الفجرة جاءوا إلى موضع عال من جدار الكعبة المقابل لباب البيت فسمّوه بالعروة الوثقى، وأوقعوا في نفوس العامة أن من ناله بيده فقد استمسك بالعروة الوثقى، فأنكر ذلك صاحب مصر وبعث فورا بكتاب يأمر فيه الأشراف أبا الغيث وعُطيفة أمراء مكة ألاّ يمكّنوا من الأذان بحيّ على خير العمل، ولا يتقدم في الحرم إمام زيديّ، وألا يهبط الحاج حتى ينقضوا ما كان في الكعبة مما سمّوه العروة الوثقى، ولا يمكَّن أحدٌ من مسّ المسمار الذي في الكعبة الذي يُقال له سرة الدنيا، وكان يحصل من التعلّق بالعروة ومن التسلق إلى المسمار عدة مفاسد قبيحة، فترك ذلك كله، وقد تقدم في السنة قبلها إزالة العروة. إتحاف الورى بأخبار أم القرى (3/136-137).
- توجّه الفخر ناظر الجيش في جماعة، وسار من القاهرة إلى مكة في مدة اثني عشر يومًا، وركب البحر خلائق، وصلّوا بمنى الصلوات الخمس أولها الظهر من يوم التروية، وآخرها الصبح من يوم عرفة، وساروا إلى عرفة بعد طلوع الشمس، وأحيوا هذه السنة بعد تركها. إتحاف الورى بأخبار أم القرى (3/170).
- في سنة ثماني عشرة وثمانمائة منع الأمير تغري بَرْمَش التركماني المؤذنين من المدائح النبوية وغيرها في المنائر ليلاً، ومنع المدّاحين من إنشاد ذلك في الأوقات التي جرت العادة للناس بكثرة الاجتماع فيها بالمسجد الحرام، ومنع الخطباء من الصغار في ليالي ختم القرآن العظيم في شهر رمضان، ومنع من إيقاد مشاعل المقامات التي بالمسجد الحرام في الأوقات التي جرت العادة بها في العشر الأخير من رمضان، وليلة العيد، وليلة هلال شهر رجب، وليلة هلال شهر ربيع الأول وغيرها؛ لما يحصل للمصلين والطائفين من كثرة اجتماع الرجال والنساء لسماع الخطب، ورؤية الوقيد، وذلك بعد أن وافقه على ذلك جماعة من فقهاء مكة، وكتبوا له خطوطهم بذلك، وكتب له بمثل ذلك غيرهم من علماء القاهرة. إتحاف الورى بأخبار أم القرى (3/527-528).
- وفي سنة ثمانمائة وثماني عشرة وفق الله العالم الجليل تفردرش الحنفي في مجاورته مكة المشرفة لإزالة بدعة الوقيد على المقامات الأربعة بالمسجد الحرام في ليلة سبع وعشرين من رجب وغيره من الليالي التي توقف فيها، فسعى في إبطالها، واجتهد في ذلك، فبطلت بحمد الله بمساعدة ولي الأمر. منائح الكرم في أخبار مكة ووُلاة الحرم (2/421)
هذه وغيرها من الأمثلة التي تدل على اهتمام علماء المسلمين وخلفائهم وصلحائهم بإزالة المنكرات والبدع والمحدثات التي تدنس طهارة وقداسة بيت الله المعظم والكعبة المشرفة التي هي قبلة المسلمين في أنحاء العالم أحياء وأمواتا.