- ( قد اختصّ الله تعالى من بقاع الأرض مكة المكرمة لتكون أحبّ البلاد إليه، وقبلة المسلمين، ومهوى أفئدة الناس، وأكبر اجتماع للمسلمين فيه، وموطن القداسة وموئل الإجلال، وحَرَمًا آمنًا، وموضعًا لمضاعفة الحسنات والرزق، وحصنًا من المسيح الدجال، ومأرزًا للإيمان إذا فسد الزمان، فتواترت في مكة المكرمة من الخصال ما لم تتوافر في غيرها من البقاع.
ولذلك كانت مكة المكرمة واجهة العالم الإسلامي، وموضع التعظيم، فارتبطت بكل مسلم ارتباطًا وثيقًا ) [وسيم معلّم].
- ( وكما أن هذه البقعة تعني الزاد والعطاء والانتماء لكل مسلم، فإن ذلك يعني أن يقابله المسلم بعطاء نحو بلد الله الحرام تجود به نفسه من تقديس وإجلال كعملٍ قلبي يتبعه سلوك عملي يظهر على جوارحه.
فالمسلم يستقبل الكعبة المشرفة حيث ما كان من جغرافية الكرة الأرضية فيُيَمِّمُ وجهه للبيت العتيق خمس مرات للصلاة في يومه وليله على أقلّ تقدير، ويشرِّق أو يغرِّب في قضاء حاجته إذا كان في جهة الشمال أو الجنوب تفاديًا أن يصيب جهة الكعبة عند خروج الأذى منه؛ كما ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرّقوا أو غرّبوا» [متفق عليه]، بل ويتحاشى المسلم أن يصيب جهة الكعبة بأذى حتى لو كان بُزاقًا؛ كما روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عن المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه» [صححه ابن خزيمة والألباني في السلسلة الصحيحة] ) [وسيم معلّم].
- ( إذا ما قصد المسلم مكة بزيارةٍ أو حجٍّ لم يحلَّ له أن يتجاوز المواقيت المكانية المخصصة التي هي دون الحرم إلا بعقد النية مع هيئة لباس الإحرام تعظيمًا لحرمة الحرم قبل دخوله.
وإذا ما دخل المسلم مكة المكرمة سواء كان لزيارة أو سكن وجب عليه أن يراعي فيها خصوصية المكان مما يجعل لإجلاله للمكان أثرًا في تعامله حتى مع الحيوانات والنباتات واللقطة من الجمادات ) [وسيم معلّم].
- ( تبقى الكعبة المشرفة عند المسلم وجهته حتى عند مماته كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث: (قبلتكم أحياء وأمواتا) [رواه أبو داود، وحسّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود]، ولهذا جمع تعظيم البلد الحرام معاني الحياة لدى المسلم، وجُعل مقياس الخيرية للأمة بتعظيم البلد الحرام.
كما ورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عيّاش بن أبي ربيعة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا، فَإِذَا تَرَكُوهَا وَضَيَّعُوهَا هَلَكُوا» [رواه ابن ماجه، وحسَّنه الحافظ ابن حجر في الفتح].
فالحفاظ على تعظيم البلد الحرام؛ مقياس لخيرية الأمة، ومطلب عند المسلمين عمومًا، وقُربة يُتقرّبُ بها إلى الله تعالى ) [وسيم معلّم].
- ( إن المتتبّع للسلوكات التي ينبغي أن تصدر من المسلم تجاه هذا البلد الحرام يجد أن بينها خيطًا رفيعًا يربطها جميعًا وهو تعظيم البلد الحرام، والذي يكون بتحقيقه أثرٌ على حياة المسلم؛ بل على المسلمين عمومًا.
وقيمة التعظيم للبلد الحرام مرتبطة بتعظيم الله تعالى وإجلاله ولا تتأتى عند المسلم إلا بالمعرفة "فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب في القلب"، ويتبع التعظيم القلبي= السلوكات التي تظهر على الجوارح.
ولذلك فإن قيمة التعظيم من القيم التي تحققّ الأثر الملموس عند مجموع المسلمين وآحادهم إذا تم تطبيقها.
والناظر بعين البصيرة يرى المفارقة عند البعض بين الواقع والمأمول من تعظيم البلد الحرام من مظاهر وممارسات تخدش حرمة مكة المكرمة، وتنبئ عن عدم وضوح في معاني التعظيم عند البعض جهلاً، وعند آخرين نسيانًا أو تهاونًا ) [وسيم معلّم].
- ( على الرغم من أن الفترة التي عاشها الناس قبل الإسلام كان قد ضعف فيها أثر الرسالات السماوية وطال العهد عنها، إلا أن دوافع تعظيم البلد الحرام كانت ظاهرةً في كثير من ممارساتهم العملية وسلوكاتهم وصريح عباراتهم الشعرية والنثرية وخطبهم المختلفة، وكانوا يتوارثونها من أسلافهم وتغلب عليها اجتهاداتهم الشخصية مع بقايا من دين إبراهيم؛ الذي لم يتركوه كله؛ بل كانت بقاياه موجودة من "تعظيم البيت والطواف به، والحج، والعمرة، والوقوف بعرفة، والمزدلفة، وإهداء البُدن" وغيرها من الممارسات التي كانت لها مدلول التعظيم للبلد الحرام ) [وسيم معلّم].
- ( رغم اختلاف مشارب من عاش قبل الإسلام وتعدّد أشكال عبادتهم وطول عهدهم بالرسالات السماوية إلا أنه "قد أجمع بنو البشر -وبالخصوص العرب قبل الإسلام على اختلاف معتقداتهم، وتناقض نزعاتهم؛ من نحو سبعةٍ وعشرين قرنًا- على تعظيم البيت الحرام، لا فرق في تمجيدهم له بين الوثنيين منهم واليهود والنصارى، فاتَّخذوه كلّهم معبدًا يعبدون فيه الله عز وجل، ويسبحون بحمده، ويقدسون له حسب أديانهم ومذاهبهم ونزعاتهم ومشاربهم" ولذلك نجد أن الحرم يُقصد ويزار في الجاهلية ويكون موطن إجلال وتعظيم من معتنقي الأديان المختلفة فتتعدد ممارساتهم ومعتقداتهم فيه؛ إلا أن موضع الاتفاق بينهم أنه مكان معظَّم، "فكان الوثنيون يضعون به أصنامهم، واليهود يعبدون الله تعالى فيه على دين إبراهيم وموسى عليهما السلام، والنصارى يتوسّلون إلى الله تعالى بالمسيح وأمه العذراء، وشارك المصريون والفرس والهنود والعرب في احترامهم للكعبة وأرجائها، فكان الفرس يعتقدون أن روح (هرمز) حلّت في الكعبة، والهنود يزعمون أن روح شبوه -وهو الأقنوم الثالث من أقانيم تمثال إلههم (بوذا)- قد تقصمت في الحجر الأسود حين زار البيت الحرام، وكان المصريون يسمون الحجاز بالبلاد المقدسة ) [وسيم معلّم].
- ( يعيش المسلم بمبادئ ومعتقدات قِيميّة تُميّزه عن معتنقي الأديان الأخرى، وبمقدار تَمسّكه بهذه القيم يكتسب المسلم القرب من خالقه وتُمكّنه من حُسن العيش في هذه الدنيا، ومن هذه القيم التي تحتاج إلى تعزيز مُستمرّ عند المسلم= قيمة تعظيم البلد الحرام؛ التي تحتاج إلى تجلية مفهومها وممارساتها، فلقد مرَّ مفهوم تعظيم البلد الحرام بأزمان مختلفة تفاوتت فيها مُعطياتها وممارساتها وطرائق التعبير عنها، وبجمع هذه الصور والممارسات من التعظيم يتجلى للقارئ مفهوم التعظيم الصحيح في الإسلام وموقعه من ما جاء به غيره ) [وسيم معلّم].
- ( إن معرفة المسلم لحدود الحرم من الأهمية بمكان لما يترتب عليها من أحكام تميّز بين من كان داخل حدودها وخارجها.
وقد كان أول من وضع أنصاب الحرم وعلاماته هو إبراهيم عليه السلام، فقد ذكر الأزرقي أنه "نزل جبريل، فذهب به، فأراه المناسك، ووقفه على حدود الحرم، فكان إبراهيم يرضم الحجارة، وينصب الأعلام، ويحثي عليها التراب، وكان جبريل يوقفه على الحدود"[أخبار مكة للأزرقي]، ومما يؤكد أهميتها في الإسلام أيضًا؛ أن "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم بن أسد الخزاعي فجدّد أنصاب الحرم"[طبقات ابن سعد] على التحديد الذي كان من لدن إبراهيم عليه السلام ) [وسيم معلّم].
- ( إن معرفة المسلم لحدود الحرم من الأهمية بمكان لما يترتب عليها من أحكام تميّز بين من كان داخل حدودها وخارجها.
وقد كان أول من وضع أنصاب الحرم وعلاماته هو إبراهيم عليه السلام، فقد ذكر الأزرقي أنه "نزل جبريل، فذهب به، فأراه المناسك، ووقفه على حدود الحرم، فكان إبراهيم يرضم الحجارة، وينصب الأعلام، ويحثي عليها التراب، وكان جبريل يوقفه على الحدود"[أخبار مكة للأزرقي]، ومما يؤكد أهميتها في الإسلام أيضًا؛ أن "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم بن أسد الخزاعي فجدّد أنصاب الحرم"[طبقات ابن سعد] على التحديد الذي كان من لدن إبراهيم عليه السلام ) [وسيم معلّم].
- ( يعيش بلد الله الحرام في قلب يابسة العالم، ويعيش في قلب كل مسلم، "وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله؛ ألا وهي القلب" ) [وسيم معلّم].
- ( بعد أن وقفت أمام الكعبة المشرفة أثناء أدائي مناسك العمرة لأول مرة في حياتي قبل أيام لم تستطع قدماي أن تحملاني من شدة الموقف وانخرطت في البكاء شكراً لله على أن يسر لي أداء هذه الشعيرة العظيمة وزيارة المسجد النبوي الشريف ) [المغني الأمريكي تشوسي هوكنز الذي غيّر اسمه إلى (أمير)].
- ( إن أهل مكة كانوا يمرون عبر المسجد الحرام عند ذهابهم إلى حواري مكة المكرمة، وكانوا عندما يدخلونه يطوفون بالبيت، وعندما يعودون يطوفون أيضاً مرةً أخرى، وربما تكرر ذلك الطواف للشخص عدة مرات في اليوم ) [عبد الله بن حسين باسلامة].
- ( إن الحديث عن مكة المكرمة يحلو بقدر محبة المتكلم عنها لها، كما يحلو بقدر محبة السامع لهان كيف لا؛ وهي حرم الله تعالى، وفيها بيته، فهو الذي حرّمها؛ ولم يحرّمها الناس، جعلها مركز الأرض؛ وقطب الرحى، واختارها الله جلّت قدرته منذ الأزل لتكون مهوى الأفئدة؛ ومستقبل القلوب؛ وقبلة الوجوه؛ وأول الحرمين؛ وأول بيت وضعه للناس في الأرض، وجعلها مولد رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ومنشأه؛ ومبتدأ مبعثه ورسالته، وأتاها ويأتيها كلّ رسول، وأعاد بناء بيت الله تعالى فيها= سيّد الرسل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، جعلها محطّ أول نبيّ؛ وآخر رسول عليهما السلام.
واختصها الله تعالى لتكون موطن خير البشر مع سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم، فالمهاجرون كلهم منها، وأسياد الناس يوم القيامة بعد الأنبياء عليهم السلام كلهم منها،...لذا جعل فيها من الفضائل والمكارم ما لا يوجد في بلد آخر؛ إلا ما كان في المدينة المنورة؛ فهما عينان في رأس ) [خليل ملا خاطر].
- ( لقد جعل الله تعالى لكلّ نبيٍّ من أنبيائه حَرَمًا يأوي إليه، وخصّه بما يتناسب ومكانة ذلك النبي عنده، وقد جعل الله تعالى مكةَ المكرمة حرَمَه، وفيها بيته، فعيَّن وجودَه وحدَّده ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: هي حرَمُ الله تعالى؛ حرّمها الله تعالى يومَ خلق السموات والأرض، ولم يحرِّمها الناس، وأظهر تحريمَها على لسان أبي الأنبياء؛ إبراهيم عليه السلام، وأكّد النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلَّم تحريمَها، وحدَّد معالمها، فحرَّم كلّ شيء فيه، لا يُنفّر ولا يُصاد صيدُها، ولا تُلتقط لقطتُها، ولا يعضدُ شجرها، ولا يُقطع سدرُها، ولا يُختلى خَلاها، ولا يُحمل فيها سلاحٌ لقتال، ولا يُسفك فيها دمٌ،...ولا تزال مُحرّمةً إلى يوم القيامة، إنما أحلّها الله تعالى لرسوله المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم ساعةً من نهار؛ ليطهِّرها، ثم عادت حُرمتُها..كما كانت محرَّمةً، إلى يوم القيامة ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: أحفّها الله عز وجل بالملائكة الكرام، ومنعها من الجبابرة العظام، وحماها من الطاعون، وحفظها من الدجال،...وحرسها من الأعداء اللئام، فلن تُغزى إلى يوم القيامة، وأيّما جبّار أرادها بسوء= قصمه الله تعالى، هي أرضُ الله تعالى وحرمُه، أنزل الله تعالى الرحمةَ على كعبتها، وفاضَل في الأعمال الصالحة فيها،...وأحلّها لرسوله المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ليطهّرها، وجعل الإيمان يأرز إليها؛ بعد أن يأرز بين المسجدين في الحجاز،..وستبقى عامرةً إلى قبيل قيام الساعة، وسيبقى الحج فيها إلى ما بعد يأجوج ومأجوج، وتكون هي والمدينةُ آخر قرى الإسلام خرابًا ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: جعل الله تعالى كعبتَها قبلةً للمسلمين أينما كانوا، فمن كان في مسجدها تعين وجه الكعبة، ولا يصح انحرافه عنها، ومن كان فيها تعين مسجدها، ومن كان خارجًا عن مكة تعينت له مكة؛ كما قال الله سبحانه وتعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150] ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: قد أيس الشيطان أن يُعبد فيها، من آذى العائذَ بالبيت قصمه الله تعالى، ومن أراد أهلَها بسوء؛ أو أخافهم؛ أو عزم على الإلحاد فيها عاقبه الله تعالى؛ ولو كان في أقصى الأرض، ولقد جعل أبغضَ الناس إليه تعالى الملحدَ فيها، ومن استحلها دمّره الله تعالى، لأن الحرمَ لا يعيذ عاصيًا، وسيُخسف بالجيش إذا غزاها في آخر الزمان ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: أهلُها لا يزالون بخيرٍ ما عظًّموا هذه البَنِيّة، وهم مدَلَّلون عند الله عز وجل، ولهم منزلة عالية، فهم أهل الله عز شأنه، وجيران بيته، وساكنوه ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: جعل الله تعالى قلوبَ المؤمنين تهواها وتحبها، وبخاصة الأنبياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام؛ من آدم حتى عيسى عليهم السلام، ثم أتم الله سبحانه وتعالى نعمته تلك على مكة؛ بقول رسوله المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث قال لها -وهو بالحَزْوَرَة-: (والله إنك لخيرُ أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجتُ منكِ ما خرجتُ) كما رواه أحمد والدارمي والنسائي وعبد بن حُميد، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم، ورواه آخرون ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: خصّها الله جلّ شأنه بإسماعيل ولد إبراهيم عليهما السلام -كما خصّ الشامَ بإسحاق ولد إبراهيم، ومن بعدهما بيعقوب وأولاده عليهم السلام- وأكمل ذلك بخير خلقه وسيّد رسله النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، فجعلها موطنَ مولده ومنشئه، ومبدأ بعثته ورسالته ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: جعلها الله عز وجل أمَّ القرى، ومركزَ الأرض، وقطبَ الرحى، جعل فيها أول بيت وُضع للناس، وجعل الله مسجدَها أولَ مسجد بُني للعبادة في الأرض،...وهو أول مساجد الأنبياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، جعله الله تعالى مثابةً للناس وأمنًا، وموئلاً للعاكف فيه والباد، وأمر تعالى بتطهيره؛ للطائفين والعاكفين والرُّكع السجود، ومن دخله كان آمنًا، وجعل المقامَ فيه من الجنة، والحَجَر من الجنة، له عينان يبصر بهما، ولسانٌ ينطق به؛ يشهد لمن استلمه بحق، ضاعف أجرَ الصلاة فيها،...فهي خيرٌ من مائة ألف صلاة فيما سواه، سوى المسجدِ النبوي والمسجدِ الأقصى، وجعل مسجدَها أحدَ المساجد التي يُشرَع شدُّ الرحل إليه، وجُعل فيه خير كثير ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: جُعل الحج فيها في أَشْهُر معلومات، وأوجب الله تعالى على كل مسلم قادر الحجَّ إليها، والاعتمار،...وشرع العمرةَ في كل زمان، وضاعَف أجرها في شهر رمضان، وأوجب تعظيم شعائر الله تعالى فيها، وأمر الله جل شأنه إبراهيمَ عليه السلام أن يؤَذِّن في الناس بالحج؛ يأتوه من كل فجٍّ عميق، ليشهدوا منافع لهم،..وجعل فيها وحولها كثيرًا من شعائر الله عز وجل،، وكثيرًا من آيات الله عز وجل البينات،...وأوجب الله تعالى إخلاص النية فيها؛ وحسنَ القصد في الفعل، وخفف الله سبحانه وتعالى عن حاضري المسجد الحرام ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: من طاف بيتها سبعًا= كُتب له بكل خطوةٍ حسنة، ومُحيت عنه سيئة، ورُفعت له درجة، وكان له عدلُ رقبة، ومن حج بيتها من غير فسق ولا رفث؛ كُفِّرت سيئاتُه، ورجع كيوم ولدته أمُّه، وليس له جزاء إلا الجنة،..كيف ومسحُ الركنين يحطُّ الخطايا والذنوب ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: لا يُعلم في الأرض موضعٌ يسن تقبيله؛ والاحتفاء به إلا حَجَرها -أي الحَجَر الأسود-، لذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه استلمه وقبّله واحتفى به، ويسن التكبير عنده ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: الصلاة في حِجْرها كالصلاة في كعبتها -لأنه جزء منها- لذا يلزم الطواف من ورائه ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: أمر الله عز وجل باتخاذ مقامها مصلّى ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: يدافع الله عز وجل عنها، فقد حبس عنها الفيل، وأهلك جيش الغزاة الأحابيش ( أصحاب الفيل )..وأرسل الرياح على تُبَّع؛ عندما همّ بالاستيلاء على كعبتها، حتى تاب وأناب، ورجع عن قصده، وأحرم، فجاء معظِّمًا البيتَ، فزال عنه البلاء،...ومسخَ إسافَ ونائلة حَجَرين؛ عندما فجرا في جوف الكعبة، فصارا عبرةً للمخلوقات.
ومن محافظته عز وجل عليها: أنها لن تُغزى على الإسلام إلى يوم القيامة ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: طهّرها الله تعالى من الشرك والارتداد، فأزال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم الأصنام والأوثان من الكعبة وحولها بإشارته وتحطّمت واندقّت بقوسه،...ومحا الصور التي رسمها المشركون في جوف الكعبة، وأمر صلى الله عليه وآله وسلم بغسلها،...وقضى صلى الله عليه وآله وسلم على كل ما كان أوحاه الشيطان إلى قريش في جاهليتها، فلا طواف لعُريان، ولا حجَّ لمشركٍ بعد الآن ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: حرم دخول الكفار إليها، فلا يدخلها كافر أو مشرك إلى يوم القيامة، كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ، فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28].
ويحرم الإلحاد فيها والإحداث، ومن ألحد فيها فله العذاب الأليم ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: عظَّم الله جلّت قدرته معالِمَها، وعظَّم المعصية فيها، وضاعف عقوبة فاعلها؛ وإثمَ مرتكبها، فأوجب العقوبةَ على من صاد فيها، أو قطع شجرًا أو كلأً، كما يُكتب فيها الهمُّ والعزم ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: جعل الله جلّت قدرته كثيرًا من أماكنها مباركة، وأجزاءً منها من الجنة، وشُرع الاغتسال عند دخولها ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: ربط الله جلّت قدرته كثيرًا من العبادات فيها بذكريات معلومةٍ، وحوادثَ زمنيّةٍ قديمةٍ، فالسعيُ بفعل أم إسماعيل عليه السلام، والرجم والنحر بفعل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، والرَّمَل بفعل النبيِّ المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم...إلخ ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: حظيت بدعوة إبراهيم عليه السلام لها، فدعا لها بالبلدية، وبالأمان، وأن يجنِّبَه الله تعالى وبنيه عبادةَ الأصنام، وأن يرزقها من ثمرات الأرض، ودعا لها بالبركة في الماء واللحم والطعام،...فصارت مباركة، وتهوى أفئدةُ بعض الناس إليها، كما قال تعالى -على لسانه-: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}[إبراهيم:37] وهم المؤمنون من هذه الأمة، فلو قال: (فاجعل أفئدة الناس) لما بقي إنسان إلا هويها، وأن يبعث فيها رسولاً منهم؛ فكان هو: النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
كما حظيت بالعناية من زمن إسماعيل عليه السلام، حتى اقتسم أولادُ قصيٍّ: الحجابةَ والرفادةَ والسقايةَ واللواء،...واستمر الأمر إلى زمن البعثة النبوية الشريفة ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: أنذر الله عز وجل أهلَها بالقرآن الكريم، وأنزل أكثرَ من ثلاثة أخماسه فيها،...تفضحُ المشركين، وتردُّ على الكافرين، وترسّخُ الإيمانَ في قلوب المؤمنين، وتذكر أخبارَ وقصص الماضين، وفيها من الإعجاز الشيء الكثير...إلخ ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: جعل الله تعالى لها من الأسماء ما لم يجعله لغيرها من المدن إلا المدينة المنورة، فهي: مكة، وبكة، وأم القرى، وبرّة، والبساسة، والحرم، والمسجد الحرام، والبلد الأمين، وصلاح، وكوثى،...إلخ ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: تعطَّر جوُّها بنفَسِه الطاهر صلى الله عليه وآله وسلم،...واختلط أثيرُها بنبرات صوته الكريم،...ولثمت أرضُها جبهتَه صلى الله عليه وآله وسلم الشريفة في سجوده، وباطنَ كفيه صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته، وجنبَه الكريم في نومه، وباطنَ قدميه في مشيه ووقوفه،...وتروَّت ذراتُها بدموعه صلى الله عليه وآله وسلم،...وسعدت أوديتُها بمشيه صلى الله عليه وآله وسلم فيها،..وجبالُها بصعوده صلى الله عليه وآله وسلم عليها، وغارُ حرائها بتعبّده صلى الله عليه وآله وسلم فيه، وتحنُّثه فيه، وبنزول الوحي عليه فيه، وغارُ ثورها بالتجائه صلى الله عليه وآله وسلم فيه ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: سعدت شوارعُها بمروره صلى الله عليه وآله وسلم فيها، وأسواقُها بعرض نفسه صلى الله عليه وآله وسلم على القبائل فيها، فلقي ما لقي من الصدِّ والردِّ، فلم يُثنه ذلك عن عزمه، ولم يصدّه عن طلبه، حتى آمن الناسُ بعد ذلك أجمعون ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: سمّى الله عز وجل من خرج منها لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم المهاجرين، فأوجب تعالى على نفسه أجرَهم، وأمضى هجرتَهم، فجعلهم الصادقين المخلَصين، ولهم المنزلة الأولى، والمكانة الأسمى،...فصاروا خيرَ الخلق إلى قيام الساعة؛ بعد الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، وفيهم خيارُ هذه الأمة، وخيارُ أهل الجنة...إلخ ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: جعل الرسول المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الناسَ تبعًا لأهلها -كما كان الحال في الجاهلية- فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهم: (الناسُ تَبَعٌ لقريش في هذا الشأن، مسلمُهم تَبَعٌ لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم) [متفق عليه] ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: نزل الوحيُ فيها بتثبيت أركان الإيمان؛ وتطهير الجنان؛ وسلامة القلب؛ وصفاء اليقين والإحسان،...ونفي الشرك والطغيان، والتخلّص من عبادة الأصنام والأوثان،...فكان ما حصل فيها من اضطهاد واختبار وابتلاء: الركيزةَ الأساسية في الميزان، وعليها قام بناءُ الإسلام ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة..مدينةٌ: أفدى المسلمون -من أهلها- رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقابلهم صلى الله عليه وآله وسلم بأضعاف ما فعلوا، وأكرمهم أكثرَ مما أمّلوا، وأعطاهم فوق ما رجوا، ومنحهم فوقَ ما تمنّوا...إلخ ) [خليل ملا خاطر].
- ( إن الذي حرّم مكة المكرمة إنما هو الله تعالى؛ ولم يحرّمها الناس، وقد حرّمها الله عز وجل يوم خلق السموات والأرض، والنصوص من القرآن الكريم والسنة الشريفة كثيرة.
قال الله جل شأنه على لسان نبيه المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِين} [النمل:91].
وقال سبحانه وتعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم:37].
وقد بيّن الرسول المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أن الله عز وجل حرّمها يوم خلق السموات والأرض، وأنه تعالى أباحها لرسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ساعةً من نهار؛ ليطهّرها من رجس الوثنية، ثم عادت حُرمتُها كما كانت من قبل.
فعن أبي شريح العدوي رضي الله عنه أنه قال لعمرو بن سعيد، وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أُحدثك قولاً قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم للغد من يوم الفتح، فسمعته أُذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به. إنه حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: (( إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا...)) الحديث بطوله، [متفق عليه].
وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم فتح مكة: (( إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة )) [متفق عليه].
وورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بنحوه.
وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم -فيما تواتر عنه-: (( إن إبراهيم حرم مكة )) فذاك باعتبار أن الله تعالى أظهر تحريمَها على لسانه عليه السلام، لذا نُسب إليه، وإلا فالمحرِّمُ الحقيقيُّ لها إنما هو الله عز وجل، والله تعالى أعلم ) [خليل ملا خاطر].
- ( لقد استمرت حُرمة مكة في نفوس الناس من زمن إبراهيم عليه السلام إلى يومنا، وستبقى -إن شاء الله تعالى- إلى يوم القيامة. بل حتى في الأوقات التي تغيرت فيها الأحوالُ في مكة وحولها،...بقيت حُرمة مكة في نفوس الجميع قائمةً ومعتبرةً، سواء كانوا من أهلها أو من غيرهم، لا يُباح فيها قتال، ولا يُسفك فيها دم، ولا تُنتهك فيها حرمة، ولا يُقطع فيها شجرٌ،...إلخ.
ولما جاءت حادثةُ الفيل في عام ولادة النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عظمت مكة في نفوس العرب من جديد، وازدادت مكانتُها رفعةً، وعظمت مكانةُ أهلها (قريش) في نفوسهم، خاصة عبدالمطلب؛ جد النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه لم يخرج منها.
ولما جاء الإسلام ازدادت مكانتُها رفعةً، وعظمت حرمتُها، وذلك بما بيّنه صلى الله عليه وآله وسلم وشرّعه، وما نزل في كتاب الله تعالى؛ من بيان حرمتها، وعِظَم قَدْرِها، ورفعة مكانتها، ووجوب تعظيمها، وعقوبة مستحلِّها ومنتهكها، فلم تزدد الكعبة إلا تعظيمًا، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم -يوم الفتح-: (( هذا يومٌ يعظّم الله فيه الكعبة، ويومٌ تُكسى فيه الكعبة )). كما رواه البخاري.
فلم تزدد مكة إلا حرمةً وتبجيلاً،...كما أن الكعبة لم تزدد إلا رفعةً ومهابةً، ليكون ذلك مصداق قوله عز وجل: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً}[البقرة:125] ) [خليل ملا خاطر].
- ( لقد جعل الله عز وجل لتحريم مكة مظاهرَ متعددةً، فيحرم تنفيرُ الصيد، وقتلُه، ويحرم اختلاءُ الخلاء والشوك، وحشُّه وقلعُه، ويحرم قطع الشجر،...ويحرم حملُ السلاح، وسفكُ الدماء، ويحرم التقاطُ اللقطة -إلا لمنشد أو معرِّف- وقد تواترت النصوص الشريفةُ في ذلك عن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ) [خليل ملا خاطر].
- ( من مظاهر تحريم مكة: تَحريم دخول الكفار إليها بعد تطهيرها وإعلان إسلامها، لأن المشركين نجسٌ، فلا يليق أن يدخلوا الحرم بعد أن طهّره الله سبحانه وتعالى من الرجس والكفر والأوثان،...ولم يَبق للشيطان فيه مكان أو نصيب.
قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء} [التوبة:28].
والمراد بالمسجد الحرام: مكة؛ وما جاورها من الحرم؛ لا المسجد فقط، لأن أغلب مناسك الحج خارج المسجد؛ كما هو معلوم، والله تعالى يقول: {فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} والله تعالى أعلم.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: بعثني أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الحجة التي أمَّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذِّنون في الناس يوم النحر: (( لا يحُجُّ البيتَ بعد هذا العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عُريان )) [متفق عليه] ) [خليل ملا خاطر].
- ( من مظاهر تحريم مكة: أنْ حبس الله عز وجل عنها الفيل، وأنزل الله تعالى العقوبة -التي ذكرها الله تعالى في كتابه- على أبرهة الأشرم -أخزاه الله جل شأنه- وجيشِ الأحابيش؛ الذين أرادوا هدمَ الكعبة المشرفة، ولكنهم لا يعلمون أن لهذا البيت ربّاً يحميه؛ من كل طاغية جبار. لذا شتّت الله عز وجل شملَهم، وفرّق جمعَهم، وجعلهم عبرةً لمن يعتبر.
قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّاكُولٍ} [الفيل:1-5] ) [خليل ملا خاطر].
- ( من مظاهر تحريم مكة المكرمة ومكانتها: أنْ منعها الله عز وجل من الجبابرة، فلم يظهر عليها جبارٌ قط، أو ينالها، وكلُّ من أرادها بسوء قصمه الله جل شأنه، لأنها حرمُه، وفيها بيتُه. وهذا ما حصل من بعض المغامرين الذين همّوا؛ أو أرادوا بها السوء؛ فنالوا العقوبةَ سريعًا من غير انتظار أو تطويل ) [خليل ملا خاطر].
- ( من مظاهر تحريم مكة المكرمة ومكانتها: أنها لن تُغزى على الإسلام ثانيةً إلى يوم القيامة؛ كما أخبر بذلك الصادقُ المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم، لأنها -بعد فتحها- صارت مسلمةً؛ ولله الحمد والمنة.
فعن الحارث بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم فتح مكة: ((لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة)) رواه أحمد، والحُميديُّ، وابن أبي شيبة، والطبرانيُّ، وصححه الترمذي والحاكم.
ويحتمل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تغزى هذه...)).
أحد أمرين:
الأول: وهو الظاهر من معنى الغزو، وهو الإطلاق.
الثاني: لا يغزوها جيشٌ مسلمٌ ليفتحها مرةً ثانية، لأنها ستبقى مسلمةً إلى يوم القيامة، فلا تحتاج إلى فتحٍ ثانيةً، وهذا هو الأقرب، لما سيقع من غزوها؛ ويُخسف به ) [خليل ملا خاطر].
- ( من عِظَم مكانة مكة: أن الدجالَ لن يدخلها، فهي محرّمةٌ عليه، لذا ما من نقب؛ ولا جَبل؛ ولا شِعبٍ؛ ولا طريقٍ؛ في سهل أو جبل؛ إلا عليه الملائكة تحرسها تصدّه عنها؛ كما هو الحال في المدينة المنورة.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ليس من بلدٍ إلا سيطؤُه الدجال، إلا مكة والمدينة)) [متفق عليه].
وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها -في قصة الدجال المعروف بحديث الجساسة، وفي آخره- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((... قال (أي الدجال): وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح،...فلا أدع قريةً إلا هبطتها في أربعين ليلةً غير مكةَ وطيبةَ، فهما محرَّمتان عليَّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدةً -أو واحدًا - منهما استقبلني ملَكٌ بيده السيفُ صلتًا، يصدّني عنها...)) [رواه مسلم]، والنصوص في هذا الباب كثيرة ) [خليل ملا خاطر].
- ( لقد جعل الله سبحانه وتعالى المسجدَ الحرامَ الموجودَ في مكةَ أول بيت وضعه للعبادة في الأرض للناس.
قال الله جل شأنه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا} [آل عمران: 96-97].
ففي هذا النص الكريم سبعة أمور: فهو أول بيت للعبادة، وهو الذي وضعه الله عز وجل، وهو الموجود في مكة، وهو مبارك، وفيه آيات بينات، وفيه مقام إبراهيم عليه السلام، ثم من دخله فهو آمن. والله تعالى أعلم.
وقد أوضح النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أوليةَ المسجد الحرام:
فعن أبي ذرِّ -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أيُّ مسجد وُضِعَ في الأرض أول؟ قال: (المسجد الحرام) قلت: ثم أيُّ؟ قال: (المسجد الأقصى). قلت: كم كان بينهما؟ قال: (أربعون سنة). [متفق عليه] ) [خليل ملا خاطر].
- ( من فضل هذه البلدة المباركة: أن جعل الله تعالى هذا البيت قبلةً للمسلمين، وأمرهم بالتوجّه إليه؛ حيث كانوا، ولا تصح صلاةٌ في الحضر، ولا فرضٌ في سفرٍ؛ إلا بالتوجه إليه. أما النافلة في السفر فتصح إلى غيره؛ لفعله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث كان يصلي على راحلته حيثما توجهت.
قال الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144] ) [خليل ملا خاطر].
- ( من تعظيم هذا البيت: أن أمر الله تعالى الناسَ أن يأتوه بحج أو عمرة؛ ليتشرفوا بذلك، ويشهد منافع لهم، وجعل الله عز وجل ذلك الإتيانَ إليه فرضًا حتمًا على القادر، فإن لم يأت فقد عصى.
قال الله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97].
وقال الله جل شأنه: {وَأَذّن فِي النَّاسِ بِالْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ لّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} [الحج:27-28].
وقد جعل النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الحجَّ هو: الركن الخامس من أركان الإسلام كما هو معلوم. والنصوص كثيرة في ذلك، ومنها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)). [متفق عليه] ) [خليل ملا خاطر].
- ( لقد جعل الله تعالى ثواب الطواف في هذا البيت عظيمًا، مع أننا مأمورون به على كلّ مَن حج أو اعتمر.
قال الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} [الحج:29].
وقد بيّن النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فضلَ الطواف؛ وثوابه؛ لمن طاف به، سواء كان نفلاً أو فرضًا:
فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من طاف بالبيت سبعا يحصيه، كتبت بكل خطوة حسنة، ومحيت عنه سيئة، ورفعت له درجة، وكان له عدل رقبة».
وفي رواية: «من طاف بالبيت، لم يرفع قدما، ولم يقع له أخرى، إلا كتبت له حسنة، وحطت عنه خطيئة، ورفعت له بها درجة» [رواه أحمد والطيالسي وابن أبي شيبة، والترمذي -وحسنه- وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، في آخرين] ) [خليل ملا خاطر].
- ( من فضل هذه البلدة المباركة: ما أخبر به النبي المصطفى الكريم صلوات الله عليه وآله وسلم من= أن مسح الركنين (الركن اليماني، والحجر الأسود) يَحط الذنوب والخطايا؛ كما يتحات ورق الشجر، وأنه كفارة لها، وهذا فضل كبير، وأجر جزيل، وعطاء كريم من رب رحيم؛ ينفرد به كل من بها؛ من ساكن، او حاج، أو معتمر.
فعن عبيد بن عمير قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يزاحم على الركنين زحاما ما رأيت أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إنك تزاحم على الركنين زحاما ما رأيت أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يزاحم عليه، فقال: إن أفعل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن مسحهما كفارة للخطايا).
وفي رواية: (إن استلام الركنين يحطّان الذنوب) [رواه أحمد والطيالسي وعبدالرزاق والترمذي -وحسنه- والنسائي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وأقره الذهبي] ) [خليل ملا خاطر].
- ( من فضل هذه البلدة المباركة: أنْ جعل النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الصلاةَ في الحِجر صلاةً في الكعبة، لأنه جزء منها، وإنما أُخرج منها لما ضاقت بقريش الأموالُ الحلالُ عند تجديدهم بناءها؛ قبل بعثة النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، لذا فمن صلى فيه فهو كمن صلى في الكعبة، لأنه جزء منها، والله أعلم.
فعن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كنتُ أحب أن أدخلَ البيتَ فأصلِّيِ فيه، فأخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأدخلني في الحجر، فقال: «صلي في الحِجر إذا أردت دخولَ البيت، فإنما هو قطعة من البيت، فإن قومَك اقتصروا حين بنوا الكعبة، فأخرجوه من البيت» [رواه أحمد والطيالسي وعبدالرزاق وأبو داود والنسائي، وصححه الترمذي وابنُ خزيمة، واصله في الصحيحين] ) [خليل ملا خاطر].
- ( من فضل هذه البلدة الكريمة، ومن رحمة الله عز وجل بعباده: أن جعل التتابع بين الحج والعمرة= ينفيان الفقر والذنوب، كما جعل التتابع بين العمرة والعمرة كفارة لما بينهما، وأن الحجّ المبرورَ ليس له جزاء إلا الجنة.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الذنوبَ والفقرَ كما ينفي الكيرُ خبث الحديد، والذهب، والفضة) رواه أحمد والنسائي، وصححه الترمذي وابنُ خزيمة وابن حبان.
وقد ورد نحو هذا الحديث عن عدد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
والمتابعة بينهما تكون: إما بتقديم الحج على العمرة، وذلك بأن يحج أولاً، ثم يعتمر بعد ذلك، كما فعلت السيدةُ عائشة رضي الله تعالى عنها، وإما بتقديم العمرة على الحج، وهو التمتع، وإما بالإتيان بهما معًا، وهو القِران.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العمرةُ إلى العمرةِ كفارةٌ لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» [متفق عليه].
وعنه رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه) [متفق عليه، واللفظ للبخاري].
وفي لفظ مسلم ((من أتى هذا البيت،...)) فهو أعم من سابقه، حيث إنه يشمل الحج والعمرة، والله تعالى أعلم ) [خليل ملا خاطر].
- ( من فضل الله تعالى على أهل هذه البلدة المباركة: أن جعل الله تعالى بعض أجزائها من الجنة، وإن كانت تلك الأجزاءُ كلُّها داخلَ المسجد الحرام؛ كالحجر الأسود فإنه من الجنة، والمقام من الجنة...
فعن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشدّ بياضا من اللبن، ولكن سودته خطايا بني آدم) [رواه أحمد والنسائي والطبراني، وصححه الترمذي وابنُ خزيمة].
وقد ورد عن عدد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
لذا فإنه يأتي يوم القيامة؛ له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد لمن استلمه بحق.
فعن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي هذا الحجَرُ يومَ القيامة؛ له عينان يُبصرُ بهما، ولسانٌ ينطقُ به، يشهدُ لمن استلمه بحق) [رواه أحمد، والترمذي -وحسنه- وابنُ ماجه والدارمي، وصححه ابنُ خزيمة وابن حبان والحاكم، في آخرين].
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الركن والمقامُ ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله نورَهما، ولولا ذلك لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب) [رواه أحمد، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ورواه البيهقي بسند صحيح أيضًا] ) [خليل ملا خاطر].
- ( لقد كثرت دعوات إبراهيم عليه السلام لمكة؛ وأهلها؛ وطعامها؛ وشرابها،...وقد وردت تلك الدعوات في عدد من السور، كما ذكرها النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا؛ في عدد من الأحاديث النبوية الشريفة
عن عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها،...) الحديث بطوله [متفق عليه].
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم بارك لنا في ثمرنا،...اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة، ومثله معه» [رواه مسلم].
وقد جاءت دعوات إبراهيم عليه السلام لمكة وأهلها في موضعين من القرآن الكريم:
قال الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 126-129].
وقال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 35-37].
فقد دعا عليه السلام لها ولأهلها؛ بالبلدية، والأمن، والرزق من ثمرات الأرض، وتَجنيبهم عبادة الأصنام، وأن يجعل من ذريته الأمة المسلمة، وأن يجعل الإمامةَ فيهم، وأن يبعث فيها رسولاً منها، وأنّ من تبعه فهو منه، ومن عصاه فإن الله غفور رحيم، وأن يجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم، ويكرمهم بإقامة الصلاة، وبالشكر، وبالبركة في اللحم والماء،...إلخ. وقد تحقق ذلك كله -ولله الحمدُ والمِنّة- لها ولأهلها ) [خليل ملا خاطر].
- ( مكة هي بلد مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنشئه ومبعثه: لقد أكرم الله تعالى هذه المدينة المباركة -فيما أكرمها- أن جعلها مكانَ مولدِ رسوله المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، ومنشئِه، ومبعثِه، فقد وُلد صلى الله عليه وآله وسلم فيها؛ في بيت والده بجوار الصفا.
ثم نشأ وعاش صلى الله عليه وآله وسلم في كنف أمه، ثم في كنف جدّه عبدالمطلب، ثم في كنف عمه أبي طالب، إلى أن بُعث صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن أربعين، وبقي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الناس فيها ثلاث عشرة سنة، حتى هاجر منها إلى المدينة المنورة، فيكون قد عاش صلى الله عليه وآله وسلم فيها ثلاثًا وخمسين سنة، حتى هاجر منها إلى المدينة، ليعود إليها فاتحًا مُطهِّرًا رحيمًا شفوقًا.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة، ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة، فمكث بها عشر سنين، ثم توفي صلى الله عليه وسلم» [متفق عليه، واللفظ للبخاري].
فيكون النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قد أقام في مكة -منذ ولادته الشريفة حتى هاجر منها- ثلاثا وخمسين سنة. والله تعالى أعلم ) [خليل ملا خاطر].
- ( ومن فضائل هذه البلدة المباركة: أن الإيمان يأرز بين مسجدها ومسجد المدينة، وفي هذا شهادة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهلهما، ولمن بينهما بالإيمان، كما أن الإيمان يتجدد فيهما، إذ في مكة المسجدُ الحرام ومناسكُ الحج والعمرة، وفي المدينة قبرُ رسول الله عليه وآله وسلم ومسجدُه الشريف، وآثارُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، وهو يأرزُ بين المسجدين كما تأرِزُ الحية في جُحرها» [رواه مسلم].
وعن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الإيمان بدأ غريباً وسيعود كما بدأ، فطوبَى يومئذٍ للغرباء إذا فسد الناس، والذي نفسُ أبي القاسم بيده، ليأرِزَنَّ الإيمانُ بين هذين المسجدين كما تأرِزُ الحيَّة في جُحْرِها» [رواه أحمد والبراز وأبو يعلى برجال الصحيح].
فهما مركز الإيمان ومستقرّه، منهما بدأ، وبينهما يأرِز، وإليهما ينتهي، وفيهما يبقى إلى آخر أيام الدنيا بإذن الله تعالى، فهما المأوى له والملجأ (مأرز الإيمان) ولا أحسن من هذا الوصف الجميل. والله تعالى أعلم ) [خليل ملا خاطر].
- ( ومن فضائل هذه البلدة المباركة -وهو معدود في فضائل أهلها-: أن مسجدها جُعل أحد المساجد الثلاثة التي تُشدُّ إليه الرحال.
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» [متفق عليه].
وفي رواية أحمد وأبي يعلى «لا ينبغي للمَطيِّ أن تُشدَّ رحالُه إلى مسجدٍ يبتغى فيه الصلاةُ؛ غيرَ المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» ) [خليل ملا خاطر].
- ( ومن فضائل هذه البلدة المباركة -وهو معدود في فضائل ساكنيها-: مضاعفةُ أجر الصلاة فيها مضاعفة كبيرة عن الصلاة في غيرها، فهي أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد؛ إلا المسجد النبوي، فهي -عند الجمهور-: أفضل من مائة صلاة فيه.
فعن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه» [رواه أحمد وابن ماجه والطحاوي بإسناد صحيح رجاله ثقات، وصححه المنذري والبوصيري وابن حجر رحمهم الله تعالى].
وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة» [رواه البزار والطبراني وابن عبدالبر -بإسناد حسن- وقال البزار: هذا إسناد حسن. ورواه ابن خزيمة في آخرين].
وقد ورد هذا المعنى عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم.
وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «صلاة في مسجدي هذا خير -أو أفضل- من ألف صلاة فيما سواه من المساجد؛ إلا المسجد الحرام» فقد رواه في الصحيحين وغيرهما بأسانيد مختلفة؛ نحوٌ من عشرين صحابيًا. والله تعالى أعلم ) [خليل ملا خاطر].
- ( لقد أكرم الله تعالى هذه البلدةَ المباركةَ بأنها تُحبّ النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم يحبها أيضًا، وقد تعددت مظاهرُ محبته صلى الله عليه وآله وسلم لها.
فعن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبك من بلد، وأحبك إليَّ، ولولا أن قومَك أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك» [رواه الترمذي -وحسنه- وصححه الحاكم وابن حبان، وأقرّه الذهبي، ورواه الطبراني وأبو يعلى برجال ثقات].
وعن عبد الله بن عَدي بن حمراء رضي الله تعالى عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على الحزورة فقال: والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» [رواه أحمد، والترمذي وابن حبان والحكم وصححوه وأقره الذهبي، والنسائي وابن ماجه والدارمي في آخرين] والله تعالى أعلم ) [خليل ملا خاطر].
- لقد جعل الله سبحانه وتعالى مكةَ المكرمة: مَخرجَ صدق، كما جعل المدينةَ المنورةَ مدخلَ صدق.
فقال سبحانه وتعالى –مخاطبًا نبيّه المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم-: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80].
وذلك عندما أُمر النبيُّ المصطفى الكريمُ صلى الله عليه وآله وسلم من قِبل ربه جل شأنه بالهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، أمره الله تعالى بأن يدعوَ بهذا الدعاء.
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة فنزلت عليه: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: 80] [رواه أحمد، والترمذي والحاكم وصححاه وأقره الذهبي، في آخرين] ) [خليل ملا خاطر].
- ( لقد رفعَ الله جل شأنه قدرَ هذه البلدة المباركة، وأعلى منزلتَها، وأعظم مكانتها في نفوس المسلمين قديمًا وحديثًا، حيث توارثوا ذلك مما ورد من تعظيم الله تعالى لها؛ وبيانه في كتابه الكريم؛ وعلى لسان رسوله المصطفى الأمين صلى الله عليه وآله وسلم، حيث جعلها حرمًا آمنًا، وعظَّم حرمتها ) [خليل ملا خاطر].