تبرّع الأن

Groupe 1430

joomla vector social icons

خليل ملا خاطر

لما دعا إبراهيم عليه السلام بأن يجعل الله جلّت قدرته أفئدةً من الناس تهوي إلى مكة المكرمة، وأوجب الله عز وجل الحجَّ على جميع المسلمين القادرين؛ ممن ملكوا الزاد والراحلة، وأوجب النبيُّ المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم العمرةَ على المسلمين القادرين أيضًا، ولم يُحدِّد لها زمانًا لا تصح إلا به -كما هو الحال في الحج- لذا فإنه سيفد إلى هذه البلدة المباركة جموعٌ كثيرة، إما للحج أو للعمرة، أو لهما معًا، أو لغير ذلك، فكيف يعاملهم أهل مكة، وهم قد حلّوا في ديارهم، وصاروا ضيوفًا عليهم؟؟؟

وأهلُ مكة هم أهلُ الله تعالى، ويسكنون في حرم الله عز وجل، ويجاورون بيت الله تعالى، وهم يستقبلون وفدَ الله تعالى وضيوفَه.

خاصة وقد أوجب الشرعُ الكريمُ إكرامَ الضيف، وحسن معاملته، والإحسان إليه، وعدم الإساءة إليه، إضافة إلى إكرام المؤمن، وعدم الاعتداء عليه، ونصرته، وإيثاره على النفس،...إلخ الحقوق المترتبة للمسلم على المسلم.

وفيما يلي سأذكر بعضَ ما يترتب على ساكني مكة من واجبات نحو إخوانهم القادمين إليها، للذكرى وليس للاستيعاب، والله المعين، فمن ذلك: 

 - القيام بشكر هذه النعمة؛ حيث خصهم الله جل شأنه بالقيام بخدمة وفده وحجاج بيته، وزوار مسجده، من بين ملايين المسلمين؛ بهذه المكرمة الجليلة، كما أكرمهم الله تعالى بزيادة الثواب؛ بما لم ينله سواهم، لذا فمن لازِم ذلك؛ أن ينعكس هذا الفضل بحسن استقبال القادمين؛ وحسن معاملتهم؛ وصادق ودِّهم، مع شعور الساكن بعِظَم هذه المسؤولية، وقيامه بها.

وشكرُ الله تعالى على ما أنعم لا يُحافظ على النعمة فحسب، بل يزيدها، كما الله سبحانه وتعالى:  {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].

والشكرُ عمل، وليس قولاً، بينما الحمدُ قولٌ، وقد يتداخلان، كما قال الله عز وجل عن الشكر: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].

والشكر شكران: شكر المنعم، وشكر النعمة.

قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} [الأحقاف: 15].

وأما شكر المنعم فهو أعلى وأغلى: {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} [لقمان: 12]، {أَنِ اشْكُرْ لِي} [لقمان: 14].

ومردود الشكر راجع إلى الإنسان الشاكر نفسه، كما قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [لقمان: 12]، حيث تكرر هذا المعنى في عدد من السور الكريمة. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا بما خص به عباده الصالحين.

- الغُرْم بالغُنْم:

 ذلك أن أهل مكة: خُصّوا من بين الخلائق بهذه المنزلة الرفيعة، وهذه المكانة السامية،...وأنهم يقابلون هذه الوفود؛ المدعوّةَ من قِبَل الله تعالى، وبمناداة إبراهيم عليه السلام، والممتثلة أمر رسولها المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

كما قال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 27-28].

وذلك عندما بنى إبراهيم عليه السلام البيت؛ أمره تعالى أن ينادي في الخلق: إن الله بنى لكم بيتًا، وأمركم أن تحجّوه، فحجّوا. فكل من لبّى سيحج.

وقد أقام الله عز وجل سكان الحرم بهذا المقام الجليل، فكما أنهم يغنمون؛ ويسعدون بهذه المزايا العظام؛ عليهم أن يؤدوا ما يقابل ذلك (ضريبة المنزل).

- هؤلاء القادمون هم وفد الله سبحانه وتعالى، ومجيبو دعوته، وممتثلو أمر رسوله المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وأنتم أهلُ الله تعالى؛ وسكان حرمه؛ ونزلاء بيته؛ ومجاورو مسجده؛...والقائمون على مائدته؛...فكيف تستقبلونهم؟ وليكن في حسبانكم أن: أهلَ الله يستقبلون وفدَ الله تعالى ومدعوّيه. فبقدر إجلالكم وتقديركم...لمن خصكم وأكرمكم بهذه المنزلة الرفيعة: تستقبلون ضيوفَه ومدعُوِّيه.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وفد الله ثلاثة؛ الغازي، والحاج، والمعتمر» [رواه النسائي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وأقره الذهبي].

وقد ورد في غير هذه الرواية بلفظ: «الحجاج والعمار،...».

- أن يكون على قدر المسؤولية التي نيطت به، حيث خصه الله عز وجل بهذا المكان الكريم؛ الذي يتمني ملايين المسلمين رؤيته ولو لحظات، وبهذه المنزلة الرفيعة التي يتطلع إليها الكثيرون، وبهذه المكانة السامية التي يغبطكم عليها الملايين، فكيف تكون يا ساكن الحرم؟؟؟

- أن يعمل ألا يكون أهلُ الجاهلية خيرًا منه،...حيث كانوا في غاية الأدب والاحترام والإعانة لمن يقدم هذا البيت. كانوا يعطون من لم يُحضر معه لباسًا ليُحرم للإحرام= لباسًا ليُحرم به، ويُجيرون العدوَّ حتى ينتهي من نسكه، ومن رأى قاتلَ أبيه أو أخيه أو قريبه لا يتعرّض له، لقد كانوا يعينون الضعيفَ والمظلومَ؛ حتى يأخذَ حقَّه وظلامته، وكانوا يطعمون الحجيج ويسقونهم من لذيذ الطعام والشراب، مع أن مكة لا ماء فيها ولا زرع...إلخ.

- إكرام هؤلاء القادمين من بلادٍ بعيدة، وحسن التعامل معهم، لأنهم ضيوف، وقد أُمرنا أن نُكرمَ الضيفَ، ألا ترى كيف فعل الصحابي الأنصاري الجليل؛ حين قال لزوجته رضي الله تعالى عنهما: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.[متفق عليه]، فكيف يكون إكرام ضيف الله تعالى ووفده؟

- حسن استقبال هؤلاء الضيوف، وحسن التعامل معهم، لأن هذا من سمة الإيمان التي يجب أن يتصف بها كلُّ مسلم، ونحن مطالبون بإكرام الضيف عمومًا،

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه..» [متفق عليه].

وعلى قدر منزلة الضيف -أو الداعي- يكون الاهتمام والإكرام، وهؤلاء: هم ضيوف الله عز وجل، لأنه جلّ شأنه هو الذي دعاهم، فاستجابوا لدعوته، وسكان الحرم الذين يستقبلون الضيوف.

- العناية بهؤلاء القادمين؛ في نفوسهم، وأموالهم، وأعراضهم، فلا يرون منه ما يكرهون، وأن يريهم ما تطمئن نفوسهم، تحقيقًا لقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97].

- أن يكون متحققًا بما أوجبه الشرع عليه، وذلك أن يحب لهم مثل ما يحب لنفسه، وليتذكر ساكنها أن لو حلّ في أي بلد من بلاد المسلمين؛ وعلموا أنه من أهل الحرم؛ فكيف يعامَل؟؟؟

لذا وجب على الساكن؛ أن يعامِل أخاه المسلم بمثل ما يُحب أن يُعامَل به، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه،...كما عليه أن يكون حَسَن الاستقبال لهم، متواضعًا، باشّاً في وجوههم، مُؤْثرًا لهم،... مقدِّمًا حاجتهم على حاجته، ولا يبخل بمودةٍ، ولا بتحية، ولا بسلام، ولا بعطف، ولا بابتسامة،...لأن ذلك كله من مستلزمات الإيمان.

فعن أنس رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [متفق عليه].

- أن يكون رفيقًا بهم، شفوقًا عليهم، عطوفًا بهم، رحيمًا بهم، محسنًا إليهم،...إلخ، لأنهم قَدِموا من أكن بعيدة، وأنفقوا كثيرًا مما يملكون، وتحمَّلوا من المشاق ما الله به عليم،...حتى وصلوا إلى هذه البلاد المباركة، يحدوهم الشوق والحب والأمل،...ليروا هذه البلادَ الغاليةَ على نفوسهم، ويتنعَّموا فيها لحظات، ويسعدوا برؤية ما فيها من معالم، ويؤدوا العبادةَ الغالية على نفوسهم باطمئنان وسعادة.

كما عليه أن يكون رحمةً عليهم، لأن هذه هي صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكريم، فهو رحمة للعالمين، وبالمؤمنين رؤوف رحيم، وقد حثنا صلى الله عليه وآله وسلم على التراحم بيننا، وحذّرنا من عدمها، فالذي يَرحم= يُرحم، والذي لا يَرحم= لا يُرحم، ومن حُرم الرفق= حُرم الخير كله.

فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله» [متفق عليه].

وعن جرير بن عبدالله رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من يُحرم الرِّفق، يُحرم الخير» [رواه مسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم –جوابًا للأقرع بن حابس-: «من لا يرحم لا يرحم» [متفق عليه].

وعن جرير بن عبدالله رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من لا يرحم الناسَ لا يرحمْه الله عز وجل» [متفق عليه].

وإذا علمنا أن الشَّقي= هو الذي لا يعرف الرحمةَ؛ لأنها نُزعت منه، لذا فإنه لا يُرحم، والعياذ بالله تعالى.

فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق المصدوق- يقول: «إن الرحمة لا تنزع إلا من شقي» [رواه أحمد والطيالسي والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، وحسنه الترمذي (وفي بعضها: حسن صحيح) وابن أبي شيبة والبغوي، وصححه ابن حبان والحاكم، وأقره الذهبي، والبيهقي، في آخرين].

- إن العالم الإسلامي يعتقد في أهل الحرمين كل خير؛ ولهم من التجلّة والاحترام الشيء الكثير، لأنهم أهل الحرم، اختصهم الله تعالى بذلك، فيا ساكن الحرم لا تُخيّب ظنّهم فيك، وإذا صدر منهم شيء؛ فاعذرهم، ولا تَشقُّنَّ عليهم.

إضافة إلى أن تكون لهم قدوةً حسنة في كل شيء؛ في العقيدة، والعبادة، والمعاملة، والأخلاق، والأحوال،...إلخ. فتعطي صورةً حسنةً عن أهل الحرم؛ الذين خصهم الله تعالى بهذا الجوار.

- إن الله تعالى جلّت قدرته قد أوجب على جميع المسلمين القادرين المجيءَ إليكم؛ للحج والعمرة، كما قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97].

وجعل ذلك من شعائر دينهم، وجعله النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أحد أركان الإسلام.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» [متفق عليه].

كما أن جميع المسلمين يرون محبةَ ساكن الحرم عليهم واجبة، لذا كان لاعجُ الشوق يدعوهم للمجيء إليكم، فكيف تستقبلونهم؟؟؟.

- عدم التبرّم والانزعاج والتضايق مما يصدر من هؤلاء القادمين لأنهم مسافرون، تركوا الأهل والوطن،...والسفرُ له منغصّات، لذا فليتحلَّ ساكنُ مكة بالصبر عما يلاقيه، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتثالاً لما يقع في جنب الله عز وجل، وليتذكر أن أكثر من مائة آية في كتاب الله تعالى جاءت في الصبر.

- أن يكون مُحبّاً لهم، مسرورًا بقدومهم، فرحًا بحضورهم،...لأنهم استجابة دعوة إبراهيم عليه السلام، كما قال تعالى على لسانه: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37] لذا فإن أعدادًا كبيرة تفد إلى مكة على مدار العام؛ للحج والعمرة،...أو غير ذلك، إضافة إلى أنهم إخوة مؤمنون محبون لكم، وكيف يستقبل المؤمن أخاه إذا حضر بعد طول غياب؟ ثم لِمَا جُبلت عليه قلوبُهم من الحب والتقدير والمودة والإخاء؛...لكم يا أهل الحرمين.

إضافة إلى أن هذه هي صفة أهل مكة قديمًا.

- تعظيم حرمة هذا الحرم أمام هؤلاء القادمين، سواء كان ذلك في المعتقد أو الفعل أو القول،...لأن تعظيمه نابع من تعظيم مُحرِّمه، ولهذا التعظيم مظاهر متعددة.

- الحرص على ألا يجرئ الناسَ على انتهاك حرمة هذا الحرم؛ وعلى إهانته، وذلك بارتكاب المخالفات والمحظورات والمنكرات، لأن ذلك يخفف من حرمة الحرم في نفوس الناس، ويُذهب ما في نفوسهم له من التعظيم والتبجيل، إذ طالما أن المهابةَ موجودةٌ في نفوس أهله له؛ تكون موجودةً في نفوس الآخرين، ولن يستحلَّ هذا البيتَ إلا أهله.

فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يبايع لرجل بين الركن والمقام، وأول من يستحل هذا البيت أهله، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب ثم يجيء الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده، وهم الذين يستخرجون كنزه» [رواه أحمد والطيالسي وابن أبي شيبة وابن الجعد، وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهم، وعزاه البوصيري لأبي يعلى، ورجاله ثقات].

لذا فإني أعيذ ساكنَ مكة أن يكون أولَ من يستحلّ حرمةَ البيت.

- الحرص على ألا يكرِّه الناسَ بهذا البيت؛ ويصدّهم عنه؛ بأي لونٍ من ألوان الصدّ، لأن ذلك -وإن كان في غاية الخطر على فاعله، فهو- من صفات الكفار؛ الذين يصدون عن سبيل الله تعالى، ويمنعون الناس عن هذا البيت، كما بينه الله جلّ شأنه بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].

فقد جعله الله تعالى قيامًا؛ للمقيم فيه والقادم إليه، والله تعالى أعلم.

- الحرص على إظهار محبته لمكة، وذلك= بتعظيمها، واحترامها، وتزيينها، وتطهيرها، والمحافظة على نظافتها، خاصة المسجد الحرام، لأنها والمدينة أفضل المدن، وتحقيقًا لعهد الله جل شأنه لنَبِيَّيه الكريمين إبراهيم وإسماعيل على نبينا وعليهما الصلاة والسلام.

قال الله عز وجل: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].

فقد أمر الله تعالى وعهد إلى نَبِيَّيه الكريمين عليهما السلام بتطهير هذا البيت للطائفين والعاكفين والمصلين، فلا يليق بساكن مكة إلا أن يتبع الأثر، ويعمل على تحقيق هذا المطلب، والله تعالى أعلم.

- الحرص على أن يكون قدوةً حسنةً لغيره من المسلمين، سواء في العقيدة، أو العبادة، أو الخلق، أو الدِّين، أو المعاملة،...لأن أهلَ الحرمين هم أولى الناس بذلك، لما اختصهم الله سبحانه وتعالى به من المكرمات والميزات والخصائص، ولما جعل الله جل شأنه تبعية الناس لهم، فصاروا مرجعًا عند الكثيرين، والنفوس تميل إلى ذلك، وكم من عملٍ فعله أهلُ مكة فتبعهم الناس عليه، وقد يكون عن غير أصل، إنما هو الاجتهاد. والله تعالى أعلم.

لذا فليحرص ساكن مكة أن يكون قدوةً صالحةً يُؤخذ عنه الحق؛ الموافق للثابت في الشرع، والله تعالى أعلم.

كما عليه أن يعطي صورةً صادقةً على مجاور الحرم؛ وأهل الله عز شأنه الذين خصهم الله جل وعز بهذه المنزلة الرفيعة، وأن يكون فعلاً كذلك، فلا باطن يخالف الظاهر، ولا ظاهر يُخالف الباطن،...لأن ذلك هو سمة أهل مكة، إذ لا يُعرف فيهم منافق بعد إسلامهم، ولله الحمد والمنة.

- الحرص على أن يكون داعيةً بفعله وعمله وخُلقه وحاله قبل قوله، لأن كل شيء عنده في مكة يحثه على اقتفاء أثر النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؛ وصحابته الكرام رضي الله عنهم، وهو من المفروض أن يكون أعلمَ الناس بذلك.

- أن يكون ناصحًا أمينًا..لهؤلاء القادمين، يعلمهم ما خفي عليهم من أحكام الحج والعمرة، ويَحثّهم على العبادة والطاعة؛ وعلى عدم الانشغال بما لا يعني، وإذا قادهم أو ذهب معهم لأداء نسكٍ أدّاه على الوجه المطلوب، بلا تنقيص، ولا شطط، ولا مخالفات، لأن الحجاج -خاصة الذين لا يعرفون العربية- في ذمة من يقتدون به، لذا فليتق الله تعالى فيهم.

وهناك قصص كثيرة تدل على مدى جهل المسلمين بمناسكهم، وتعطينا صورة أخرى، وهي عظم المسؤولية على أعناق سكان مكة المكرمة، خاصة الذين يباشرون خدمةَ هؤلاء الحجيج، ويقومون بمعاونتهم على أداء أنساكهم، ولأن ذلك واجب النصيحة.

فعن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة» قلنا لمن؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامّتهم» [رواه مسلم].

- أن يكون عفيفًا، غيورًا على الحرمات، غاضّاً الطرف، صارفًا البصر، محافظًا على المحرَّمات، راعيًا للذمام، معتنيًا بالغريب،...حريصًا على ألا يكون أهلُ الجاهلية خيرًا منه؛ في غيرتهم؛ وعفّتهم؛ وحفاظهم على الذمام،...ذلك أن إحرام النساء في وجوههنّ، كما أن إحرام الرجال قابل للانكشاف، ولأن غض البصر من حق الطريق، شأنه في ذلك شأن كفّ الأذى عن المسلمين، والله تعالى اعلم.

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والجلوس في الطرقات.."،...- الحديث بطوله، وفيه- "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه" قالوا: يا رسول الله فما حق الطريق؟ قال: "غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر"[متفق عليه].

وقد ورد عن عدد من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم.

وقد جمع الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى حقوق الطريق؛ فبلغت (14) أربعة عشر حقًا، نظمها في أربعة أبيات هي:

جَمَعْت آدَابَ مَنْ رَامَ الْجُلُوسَ عَلَى الطَّ ... رِيقِ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْخَلْقِ إنْسَانَا

أَفْشِ السَّلَامَ وَأَحْسِنْ فِي الْكَلَامِ وَشَ ... مِّتْ عَاطِسًا وَسَلَامًا زَادَ إحْسَانَا

فِي الْحَمْلِ عَاوِنْ وَمَظْلُومًا أَعِنْ وَأَغِثْ ... لَهْفَانَ وَارْشِدْ سَبِيلًا وَاهْدِ حَيْرَانَا

بِالْعُرْفِ مُرْ، وَانْهَ عَنْ نُكْرٍ وَكُفَّ أَذًى ... وَغُضَّ طَرْفًا وَأَكْثِرْ ذِكْرَ مَوْلَانَا

 

- الحرص على عدم التعرّض لعقوبة الله جل وعزّ؛ بسبب ظُلم الحجاج؛ أو بُهتهم؛ أو الغدر بهم؛ أو أكل أموالهم؛..إلخ، لأن هذا يتنافى مع الإيمان والأخوة والمحبة، وعقوبة الظلم وخيمة، لأنه ظلمات يوم القيامة، ولأن دعوة المظلوم لا تُردّ، وليس بينها وبين الله حجاب.

جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة،...» [رواه مسلم].

ورواه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن قال: "...واتَّقِ دعوة المظلوم، فِإنه ليس بينها وبين الله عز وجل حجاب" [متفق عليه].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم: الإمامُ العادل، والصائمُ حتى يُفطر، ودعوةُ المظلوم، يرفعها الله فوقَ الغمام، ويفتح لها أبوابَ السماء، ويقول الرَّب: وعزّتي لأنصرنك ولو بعد حين" [رواه أحمد وابن المبارك والطيالسي والترمذي وحسنه، وابن ماجه وعبد بن حُميد وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والبيهقي، وللحديث شواهد متعددة، وحسنه الحافظ، كما قال ابن علان في شرح الأذكار].

والظَّلَمَةُ هم أول من يُخسف بهم. وإن الله تعالى يُعجِّل العقوبةَ للظالم، وإذا أخذه فلن يفلت.

وإذا كان الظُّلمُ مُحرَّمًا في أي مكان كان؛ فهو في الحرم أشدّ.

لأن عقوبته وخيمة، وهدّد الله تعالى من أراده. والعياذ بالله تعالى.

فقد قال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].

- الحرص على السماحة في البيع والشراء، وحسن التقاضي، والأخذِ، والعطاءِ، وعلى عدم رفع السلع، واستغلال جهل الحجاج بالأسعار، واحتكار الأرزاق، وغيرها.

عن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى» [رواه البخاري].

ففي الحديث: حثٌّ على السماحة في المعاملة؛ في البيع والشراء، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحة، والحضّ على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو عنهم،...إلخ.

- حسن المعاملة مع الحجاج، فلا يمنعهم من الطواف، أو الصلاة في أي وقت في الحرم، لأن ذلك جائز ومشروع، كما نبه عليه النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

فعن جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى آية ساعة شاء من ليل أو نهار» [رواه الشافعي وعبدالرزاق وأحمد والحميدي والدارمي والأربعة والطحاوي والدارقطني، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم].

وورد نحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

- الحرص من الساكن على اتقاء دعوة الحجاج عليه، والعمل على الدعاء له، لأن دعاءَ الحاج؛ واستغفارَه مستجابٌ، لذا لا يكن الساكنُ سببًا في دعائهم عليه؛ بأن يزعجهم؛ أو يأكل أموالهم،...أو ينال منهم؛ أو يسيء إليهم؛ أو يقصِّر في مناسكنهم؛...أو يفعل ما يدفعهم على الدعاء عليه.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اللهمّ اغفر للحاجِّ، ولمن استغفر له الحاجُّ» [رواه البزار وابن خزيمة، والحاكم وصححه وأقره الذهبي، والطبراني والبيهقي، وحسنه الحافظ].

- ويلزم ساكن مكة أن يكون حسنَ الخُلق مع هؤلاء القادمين، فلا يرفع صوته، ولا يتضجّر، ولا يسبّ، ولا يلعن،...بل يكون باشّاً ضاحكًا مستبشرًا،...لأن ذلك من صفات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي من صفات المؤمن الحق.

فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحّشًا، وكان يقول: «إن من خياركم أحاسنَكم أخلاقًا» [متفق عليه].

وعن أنس رضي الله عنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا، ولا لعّانًا، ولا سبّابًا،...[رواه البخاري].

لأن هذه الصفات السيئة البغيضة ليست من صفات المؤمن الحق، ولأن صاحبَها فاسقٌ، إلا أن يتوب.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» [متفق عليه].

- وأشدّ من ذلك تبديعه وتفسيقه، ولعنه وتكفيره، فكل ذلك حرام، وإن كان التكفير واللعن أشد، وأن ذلك يعود على قائله، لذا فليحذر المسلم من التسرع في اتهام الآخرين بالتبديع والتفسيق واللعن والتكفير؛ لمجرد اختلافٍ في وجهةِ نظرٍ، أو في حكمٍ فقهيٍّ، أو لجهلٍ في معرفة الحكم، أو لضيقٍ في الأُفق،..أو لعدم التفريق بين الحكم العقديِّ والحكمِ الفقهيِّ،...إلخ، وكلُّ ذلك ليس بالأمر السهل، فمن كفَّر مسلمًا وهو لا يستحق التكفير؛ رجع التكفير على قاتله، والعياذ بالله تعالى، ومثله التفسيق والتبديع واللعن.

لذا فليحذر المسلم من تلك التسرعات والتشنجات، فإنما المرء من وراء لسانه، وليتق الله تعالى في المسلمين؛ والحرم الذي هو فيه.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما» [متفق عليه].

زاد عند مسلم: «إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه».

ورواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك» [رواه البخاري ورواه مسلم بمعناه].

وعن ثابت بن الضحاك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «..ولعن المؤمن كقتله،...» [متفق عليه].

والنصوص في هذا الباب كثيرة.

وإذا علمنا أن أصعبَ شيء على المرء أن يُنال: معتقدُه، وأنَّ مثلَ ذلك قد يُحدث فتنةً، والمسلمون في غنى عنها، خاصة في هذا الزمان، وأنه يكفيهم ما هم فيه من الانشقاق والاختلاف،...عرفنا خطورة الإقدام على مثل هذه التصرفات غير المسؤولة.

- وعلى ساكن مكة أن يكون واسع الصدر عند رؤيته ما يخالفه؛ خاصة في الأمور الفقهية، ولا يتسرّع بالإنكار بمجرد رؤيته ما يخالف وجهة نظره، إذ قد يكون المنكِر مخطئًا في إنكاره، والحقُّ مع القادم، وقد يكون العكس.

وإذا علمنا أن تنازل المرء عن آرائه التي نشأ وترعرع عليها: ليس بالأمر السهل، وأن ذلك يحتاج إلى إدراك عميق، وإخلاص قوي، وأن نقدَ الآراء واستهجانها يورث فتنًا خطيرة، والمسلمون في غنى عنها، لذا فعلى العاقل أن يحسن التصرفَ عند بيان الحكم، وأن يكون ذلك من غير تشنج ولا تشهير ولا طعن أو غمز.

إذ من المعلوم: أن أهل السنة في العالم الإسلامي= تعتورهم أربعةُ مذاهب، وليس الحقُّ منحصرًا في واحد، فضلاً عن غيرهم، كما يوجد غيرهم، ولا شك أن الخلافات الفقهية موجودةٌ بين هذه المذاهب [وهي: الشافعية والحنفية –وهما أكثر المسلمين في العالم- والمالكية -ويأتون بعدهم- ثم الحنابلة] كما أن عامة المسلمين ليسوا فقهاء، بل إن كثيرًا من أهل العلم غيرُ مُلِمِّين بهذه الخلافات، وأن كثيرًا من المسلمين مقلدون لأحد هذه المذاهب المعتبرة، وهم يتعبدون على حسب ما سمعوا من علمائهم في بلادهم، لذا فليس من السهل زحزحتهم عن ذلك، إنما يقع التشكيك وإثارة الفتن، والمسلمون في غنى عنها.

كما أن كثيرًا من المسلمين اليوم لا يعلمون الضروريات فضلاً عن دقائق الأحكام، وقد سمعت من الحجاج أسئلةً، والله لولا أنّي أنا المسؤول لصعب عليَّ التصديق بمثل تلك الأسئلة لو نُقلت إليَّ، والمشتكى إلى الله تعالى.

لقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في كثير من المسائل الفرعية، ورجع بعضُهم إلى قول بعض، ومع هذا فلم يُفسد الخلافُ بينهم الودَّ الموجودَ بينهم، ولذا فقد يكون لمن تُنكر عليه= العذرُ، وأنت تلوم.

- والقادمون إلى هذه البلدة المباركة أقسام، منهم العلماء، ومنهم الكبار، والصغار، والنساء، والشيوخ،...والضعفاء والمساكين، والفقراء، ومنهم المرضى،...فكيف تتعامل يا ساكن الحرم مع هؤلاء جميعًا؟؟؟

 - احترام شعور العلماء، وتوقيرهم، وتقديرهم، وتبجيلهم، وقضاء حوائجهم، ومساعدتهم، لأنه واجب شرعًا. وما جعل الله تعالى العلمَ في صدورهم إلا ليكونوا منارًا للحق، يهدون الناس بإذن الله إلى الحقِّ، ويعلمونهم أحكام الله تعالى، وسنة رسوله المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد رفع الله جل شأنه مكانتهم، وأعلى شأنهم، فجعلهم الله تعالى بعد الملائكة في الشهادة على وحدانيته، كما بيّن النبيّ المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم منزلتَهم، وجعل فضلَ العالِم على الناس كفضله صلى الله عليه وآله وسلم على أدنى الناس،...وأن العلماءَ ورثةُ الأنبياء، وأن الملائكةَ لتضع أجنحتَها لطالب العلم رضى بما يصنع،...إلخ.

قال الله سبحانه وتعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] والنصوص القرآنية كثيرة.

وعن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «ليس من أمتي مَن لم يُجلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرَنا ويعرف لعالِمنا حقه» [رواه أحمد والطحاوي والطبراني، وصححه الحاكم وعبدالحق، وحسنه الهيثمي].

فإذا كانت هذه هي منزلة العالم عند الله تعالى وعند نبيه المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ فكيف تكون عند المسلمين؟؟؟ لذا يلزمنا أن نجلّه ونحترمه ونقدِّره،...والله تعالى أعلم.

هذا وقد حاول أعداء الإسلام جاهدين تشويهَ سمعة العلماء عند المسلمين، وإيقاع الفرقة بين المسلمين وبين علمائهم، بل بين العلماء أنفسهم، كما أوقعوا بين المسلمين أيضًا...فلا تكن عونًا لأعداء الله تعالى وأعداء دينه، وتقع في حبائلهم، وتكره علماءَك الذين أحوج ما تكون إليهم في معرفة دينك وشرعك. والله الهادي إلى سواء السبيل.

- إجلال ذي الشيبة المسلم، وتوقيره، واحترامه، والشفقة عليه، لأن هذا واجب شرعًا؛ لما لذي الشيبة المسلم من منزلة عند الله تعالى وعند رسوله المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، ولأن الدنيا دول، فإذا كنتَ اليوم شابّاً فغدًا أنت شيخ وهرم، ويأتيك ذلك -إن أمدَّ الله تعالى في عمرك- من غير ثمن، ومثلما تدين تدان، والله المستعان.

فعن عبد الله بن عَمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم >ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا< [رواه ابن أبي شيبة وأحمد والحميدي والبخاري -في الأدب المفرد- وأبو داود، وصححه الترمذي والحاكم والنووي وأقره الذهبي، وحسنه العراقي].

وقد ورد هذا المعنى عن عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم.

وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم،..." [رواه أبو داود، وحسنه النووي والذهبي والعراقي وابن حجر والسيوطي].

وورد نحوه كثيرًا.

- احترامُ الضعفاء، والمنكسرين الذين لا يؤبه بهم، والإحسانُ إليهم، وإقالةُ عثراتهم، ومساعدتهم،...لأنك لا تدري ما حالهم عند الله تعالى، فقد يكونوا من كبار الأولياء والصالحين، أو ممن لهم مكانة ومنزلة عند الله عز وجل، أو مِن مستجابي الدعوة؛ الذين لو أقسموا على الله تعالى لأبرّهم، ولو حرَّك أحدُهم  شفتيه استجاب الله تعالى دعوتَه، وتغيرت الأحوالُ والمعالم.

كما على الإنسان ألا يغترّ بشبابه وقوته وصحته، فقد تأتيه أيام وساعات كوالح، يحتاج فيها إلى مساعدة ويرجوها، والله المستعان.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إلَيَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنّه،..." الحديث.[رواه البخاري].

وعنه رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «رُبَّ أشعثَ، مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبرَّه» [رواه مسلم].

وقد يكون هؤلاء الضعفاء الذين لا يؤبه بهم= مِمن له منزلة عالية عند الله تعالى، وأنهم محلُّ نظره جلّ جلاله، وموضعُ الاستجابة من دعائهم بالنصر والرحمة والرزق،،...إضافة إلى أنهم عامة أهل الجنة.

فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم» [رواه البخاري].

وقد ورد هذا المعنى عن عدد من الصحابة الكرام رض الله تعالى عنهم وأرضاهم.

- العناية بالفقراء والمعوزين والمساكين،...لأن هؤلاء أحوج إلى المساعدة والعناية، لما يشعرون به من ضعف وعوز، وانكسار خاطر، ولما لهم من منزلة عند الله عز وجل، حيث إنهم أولُ من يدخل الجنة، وهم أكثر أهلها،...إلخ.

فعن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» [رواه البخاري، ورواه مسلم كذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما].

وكيف لا، وهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بـ(500) عام، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ الذي رواه أحمد وابن أبي شيبة، والنسائي وابن ماجه، وصححه الترمذي وابن حبان.

- العناية بالملهوف؛ وذي الحاجة،...فهما من أحوج الناس إلى العون والمساعدة، وردُّ لهفة الملهوف تردُّ إليه نفسه،...وقضاءُ حاجة المحتاج من أهم الأعمال الخيرية التي ينال بها الأجر والمثوبة، إضافة إلى أن ذلك يغني عن الصدقة عند فقدها.

فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على كل مسلم صدقة»، فقالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد؟ قال: «..يعين ذا الحاجة الملهوف» الحديث.[متفق عليه].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة» الحديث.[متفق عليه].

- العطف على الصغار، ورحمتهم، وممازحتهم، والملاطفة بهم، لأن ذلك واجب شرعًا، وهو ما كان يفعله النبي المصطفى الرحيم صلوات الله عليه وآله وسلم مع الصغار؛ من حملهم، وممازحتهم،...والسلام عليهم، ومداعبتهم، والإحسان إليهم، والعطف عليهم، والصبر على ما يصدر منهم،...إلخ.

- العناية بمريضهم، وإسعافه، وتطييبه، ومعالجته،...لأن عائدَ المريض له فضل كبير، فكيف بمن يمرِّضه ويساعده ويعتني به؟! علمًا بأن ذلك من واجبات المسلم؛ ومن الرحمة الموجودة في قلبه.

فعن ثوبانرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عاد مريضا، لم يزل في خُرْفة الجنة حتى يرجع» [رواه مسلم].

زاد في الرواية الثانية، قيل يا رسول الله وما خُرْفة الجنة؟ قال: «جناها».

- العمل على مساعدة الأعمى، والضائع، وكذا كل من كان محتاجًا لمعرفة الطريق، ولا يجوز بحال أن يضلهم عن الطريق، أو يعمِّيه عليهم، لأن من أضلَّ محتاجًا –كالأعمى- عن السبيل فهو ملعون.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لعن الله من كمه أعمى عن السبيل» [رواه أحمد والبخاري -في الأدب المفرد- وعبد بن حُميد وأبو يعلى والطبراني، وصححه ابن حبان والحاكم].

- العمل على تفريج كربة المكروب، وقضاء حوائجهم، وإزالة همومهم،...لما في ذلك من الفوائد الكبيرة، حيث إن الله تعالى يفرِّج كربتَه يوم القيامة، ويقضي له حوائجَه في الدنيا والآخرة.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» [متفق عليه].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه،...» [رواه مسلم].

- إذا رأى منهم ما يكره؛ فعليه أن يستر، ما لم يكن في السكوت خطر على الأمة، والمقصود ما كان خاصًا، ولا يتتبع عورات المسلمين ليفسدها، لأنها نُهينا عن ذلك، ومن فعل ذلك فضحه الله تعالى ولو في عقر داره.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه..الحديث، وفيه: ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» [متفق عليه].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، الحديث، وفيه: ومن ستر مسلما؛ ستره الله في الدنيا والآخرة» [رواه مسلم].

لذا أقول: يا ساكن مكة؛ لا يذهب الحجاجُ بالمغفرة والشفاعة؛ والرحمة؛ وتذهب أنت بالدنيا.

يا ساكن مكة تذكر قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم يوم حنين: «أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا -وفي رواية: بالشاة؛ والبعير- وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟» [متفق عليه].

وأقول أيضًا: لو علم ساكن مكة ماله من الثواب والجزاء؛ لعجز عن شكر الله تعالى، والله تعالى أعلم.

Total6301558
زوار الموقع
المملكة العربية السعودية – مكة المكرمة ـ مخطط الحمراء الإضافي ـ النزهة الغربية الطريق الدائري ـ بجوار جامع السلام وملعب الكابتن ماجد
ص ب : 57571 الرمز البريدي : 21955

 

واتس آب : 00966506602821
5460608 - مفتاح المنطقة 012
5390101 مفتاح المنطقة 012
© 2024 بوابة تعظيم البلد الحرام