من أعظم آيات الله تعالى في البيت الحرام أن الله تعالى تكفل بحمايته من أي عدوان أو غزو يراد منه انتقاص حرمة البيت ومكانته.
ومن أشهر الحوادث التاريخية التي تدل على ذلك: حادثة الفيل، التي اشتهرت عند العرب، وأخبر الله تعالى عنها في كتابه الكريم.
وملخص هذه الحادثة: أن أبرهة الحبشي - عامل النجاشي على اليمن- بنى كنيسة عظيمة في صنعاء؛ ليحجّ إليها الناس بدلاً من الحجّ للكعبة الشريفة بمكة، لكن العرب لم يبالوا بذلك ولم يقصدوا تلك الكنيسة، بل إن رجلا عربيا من كنانة دخل تلك الكنيسة وأحدث فيها؛ إهانة لها وإذلالا.
فلما علم أبرهة بما فعله ذلك الرجل في الكنيسة أقسم ليهدمنّ بيت الله الحرام، وأخبر ملكه النجاشي بذلك، فأرسل إليه الملِك بجنود ومعهم الفيلة، ومنها فيل ضخم عظيم، وسار أبرهة بجيشه الجرار يريد مكة، فلما سمع بعض العرب بذلك أخذتهم الحمية على بيت الله، وحاولوا التصدّي لجيش أبرهة، لكنهم سرعان ما انهزموا وفرّوا من أمامه، واستمرّ أبرهة في طريقه حتى بلغ المغمّس قرب مكة، واستولى جنوده على إبل كثيرة لأهل مكة، منها مائتا بعير لعبد المطلب بن هاشم سيّد قريش، فلما علم عبد المطلب بالأمر وأدرك أنه وقومَه لا طاقة لهم بقتال الحبشة؛ ذهب إلى أبرهة ودخل عليه وسأله أن يردّ إليه الإبل، فردّها إليه، وقال له: تكلمني في مائتي بعير لك ولا تكلمني في بيتٍ هو دينك وقد جئتُ لهدمه؟! فقال عبد المطلب بكل ثقة: أنا ربُّ الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه ويحميه. ورجع عبد المطلب إلى مكة وأمر بنحر الإبل وإطعام الناس، وأمر قريشا أن يخرجوا إلى الشعاب والجبال فرارا من الحبشة، وأخذ بحلقة باب الكعبة؛ داعيًا ربّ البيت أن يحمي بيته ويمنعه.
فلما عزم جيش أبرهة على التحرّك نحو مكة وقف الفيل الضخم؛ وأبى أن يتوجه نحوها، وحاول الجنود أن يحرّكوه؛ فأبى، وضربوه بالرماح؛ فلم يحرّك ساكنا، فلما وجّهوه جهة اليمن انطلق مسرعا، فعادوا ووجّهوه نحو مكة فأبى أن يتحرّك، فبينما هم على هذا الحال إذ أرسل الله عليهم طيورًا صغيرة تحمل حجارة تلقيها عليهم، فلا تصيب أحدًا منهم إلا هلك، فمات منهم كثير، وفرّ آخرون، وأصاب أبرهةَ داءٌ تقطّع منه جسده، فحملوه إلى اليمن، فبلغوها وقد صار أبرهة مثل الفرخ، ثم هلك بعد وصوله.
لقد كان من آثار هذه الحادثة أن العرب جميعًا علموا مكانة البيت الحرام، وأن ربّ البيت سيحمي بيته من أيّ عدوان، فزاد تعظيمهم للبيت ولأهل البيت وجيرانه.
وقد كانت هذه الحادثة مقدمة وإرهاصًا لمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ولد بعد هذه الحادثة بخمسين يومًا أو أكثر قليلا، ثم بعثه الله من هذا البلد ليعيد للبيت الحرام قداسته، ويطهّره من رجس الوثنية الجاهلية، ويعلن من جوار البيت بقاء حرمة هذا البلد إلى قيام الساعة.
الباحث بمشروع تعظيم البلد الحرام