تتشرّف البلدان والأماكن بالشخصيات العظيمة التي تنسب لها، وتكتسب شهرة ومكانة بحسب من فيها من ذوي المكانة الرفيعة والمنزلة العالية.
ومكة بلد الله الحرام، اصطفاها الله على سائر البلدان، واختارها من بين كل المدن والقرى لتكون بلده الحرام، ومحل بيته الكريم، وموطن أعظم رسله وأنبيائه، وأشرف الخلق عنده.
ففي شهر ربيع الأول من عام الفيل -الذي يوافق سنة (571م)- وفي شعب بني هاشم في بلد الله الحرام؛ ولد سيّد وُلد آدم أجمعين، وُلد خير البرية وأزكى البشرية، وُلد خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء الأصفياء، وُلد النبي الكريم صاحب الخُلق العظيم، وُلد خير البشر في خير البلدان، وُلد في قومه قريش؛ الذين اصطفاهم الله تعالى على سائر ولد إسماعيل عليه السلام، وأسكنهم في جوار بيته الشريف، واختصهم بخدمة الحجاج والقاصدين لبيت الله عز وجل.
وقد فرح به جدُّه عبد المطلب بن هاشم، وحمله إلى البيت الحرام، ودعا له بجوار البيت، واختار له اسم (محمد) رجاء أن يحمده الله في السماء، ويحمده الناس في الأرض.
وكانت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين؛ فقال: "فيه وُلِدْتُ، وفيه أُنزِل عليَّ".
قال المعلّمي رحمه الله: فشرع الله تعالى للمسلمين صيام يوم الاثنين؛ شكرًا على هاتين النَّعَمتين العظيمتين: ولادة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنزال القرآن عليه. [ آثار الشيخ عبد الرحمن المعلّمي (17/ 536)].
إن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة هي من أعظم الأحداث التي شهدها هذا البلد المبارك، وتمرّ ذكرى هذا الحدث فيستذكر المسلمون نعمة الله عليهم؛ بأن جعلهم من أتباع هذا النبي الكريم، عليه أفضل صلاة وتسليم، ويتذاكرون سيرته الشريفة، ومواقفه العظيمة، وشمائله الطيبة، ويبذلون جهدهم في الاستنان بسنته، والاقتداء بهديه، وامتثال أمره ونهيه، وكثرة الصلاة والسلام عليه، لا في يوم مخصوص بعينه، بل يسيرون على ذلك في حياتهم كلها، فبهذا يكون الحب والاتباع له عليه الصلاة والسلام، لا باعتقادات بدعية، ولا باحتفالات باطلة ليس لها مشروعية.
الباحث بمشروع تعظيم البلد الحرام