اصطفى الله من جميع الأرض البلد الذي حرّمه يوم خلق السماوات والأرض وجعل فيه بيته، وعظّمه وأمر الناس جميعًا بتعظيمه. وأضفى عزّ وجلّ الذي يخلق مايشاءُ ويختار على البلد الحرام خصائص تميّزه عن سائر الأماكن، ومن بينها خصيصة القيام.
إنّ الكعبة البيت الحرام التي تتوسّط مكّة البلد المعظّم جعلها الله قيامًا للناس، بها يقوم دينهم وتستقيم دنياهم، بل لا بقاء للدنيا دون بقاء البيت مصداقا لقوله جلّ وعلا : ” جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس ” (المائدة،٩٧). فهـيَ قيامٌ للدين، لأنّ الناس مأمورون بالتوجّه إليها في صلاتهم، وهي قبلتهم في الدعاء، وبها قيام الحجّ.
وهي كذلك قيامٌ للدنيا، لايفتقر من حجّ إليها لقوله صَلَّى الله عليه وسلّم : ” ما أمْعَرَ حاجٌّ قط ” أي ما افتقر، ولن تهلك الأمّة ماعظّمت حرمتها لقول نبيّنا المعظِّم صَلَّى الله عليه وسلّم : ” لا تزال هذه الأمّة بخير ماعظّموا هذه الحرمة، فإنّ ضيّعوا ذلك هلكوا “، بل إنّ بقاء البيت المُعظَّم واستمرار الحجّ إليه شرط ٌلبقاء الدنيا : ” لا تقوم الساعة حتّى لا يُحَجَّ البيت ” كما قال صَلَّى الله عليه وسلّم.