يعدّ الوفاء بالأمانة من الأخلاق الإسلامية العظيمة الأصيلة النبيلة؛ التي حثّ عليها ديننا الحنيف، ورتّب عليها الثواب الجزيل، وهذا الخلق من أشهر ما اتصف به رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم في كلِّ أمور حياته، سواء قبل البعثة أو بعدها، حتى عُرِف بين قومه قبل بعثته بالأمين ولقِّب به، ويتجلى ذلك من خلال المواقف التالية:
الموقف الأول: لما أُعيد بناء الكعبة وبلغ البناء موضع الحجر الأسود؛ اختصمت قريش فيه، فكل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه، لتحظى بالشرف، وظلّ التخاصم والتشاور بضعة أيام، حتى أشار أحدهم بأن يجعلوا بينهم فيما يختلفون فيه أوَّل مَن يدخل مِن باب المسجد هو الذي يقضي بين القبائل في هذا الأمر فرضوا بذلك، فكان أوَّل داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأوه قالوا: "هذا الأمين، رضينا، هذا محمَّد"، فلمَّا انتهى إليهم، وأخبروه الخبر، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «هلم إليّ ثوبا، فأتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعًا»، ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم ثم بنى عليه.[عمدة التفسير (182/1)]
الموقف الثاني: عندما أمنته السيدة خديجة رضي الله عنها على تجارتها، وذلك لِمَا بلغها عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من صِدْقَ الحديث، وعظيم الأمَانَة، وكرم الأخلاق، فأرسلت إليه ليخرج في مالها إلى الشَّام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره مع غلامها ميسرة، فأجابها، وخرج معه ميسرة، ولـمَّا عاد إلى مكَّة، وقصَّ عليها ميسرة أخبار محمَّد صلى الله عليه وسلم قررت الزَّواج به.[الكامل لابن الأثير (26/2)]
الموقف الثالث: حرصه صلى الله عليه وسلم على رد الأمانات التي كانت عنده لقريش، فبعد بعثته صلى الله عليه وسلم وبالرغم من العداوة والإيذاء الذي وجده من قومه؛ إلا أنه قبل أن يهاجر طلب من علي رضي الله عنه أن يرد الأمانات لأصحابها، فقال لعلي رضي الله عنه: «نَمْ على فراشي، واتَّشح ببردي الأخضر، فنم فيه، فإنَّه لا يخلص إليك شيء تكرهه، وأمره أن يؤدِّي ما عنده مِن وديعة وأمانة» [تاريخ الطبري (372/2)]
الموقف الرابع: عندما جلس صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام، ومفتاح الكعبة في يده، فقام إليه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فقال: يا رسول الله! اجمع لنا الحجابة مع السقاية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أين عثمان بن طلحة؟ ".
فدعي له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هاك مفتاحك يا عثمان! اليوم يوم برٍّ ووفاء".
ونزل في هذا الموقف قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..} [سورة النساء: 58].[اللؤلؤ المكنون (4/ 64)]
إلى غير ذلك من مواقف الوفاء بالأمانة؛ التي يشهد بها ثرى البلد الأمين.