جعل الله تعالى لعباده مواسم عظيمة وأياما فاضلة، يتقربون فيها لربهم، وينالون الخيرات والأجور الكبيرة، رحمة من الله بعباده، وترغيبا لهم في الخير.
ومن تلك الأيام الفاضلة يوم عاشوراء، وهو العاشر من شهر الله المحرم، وهو يوم عظيم، صامه النبي صلى الله عليه وسلم، وشرع لأمته صيامه، وكان ذلك بعد الهجرة إلى المدينة، فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: «صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك» [البخاري ومسلم] وقالت عن عائشة، رضي الله عنها: «كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش، في الجاهلية وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما نزل رمضان كان من شاء صامه، ومن شاء لا يصومه» [البخاري]، فقد كاان صيامه واجبا قبل فرض رمضان، فلما فرض الله على المسلمين صيام رمضان ترك الأمر بصيام عاشوراء، وصار صيامه سنة مستحبة وفضيلة غير واجبة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه تطوعا، ويحرص على ذلك، فروى البخاري ومسلم ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني شهر رمضان» وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، أنه خطب على المنبر بالمدينة يوم عاشوراء فقال: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء، فليصم ومن شاء، فليفطر» [البخاري ومسلم] وفي حديث أبي قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» [مسلم].
ومما يتعلق بهذا اليوم الفاضل أنه كان اليوم الذي تكسى فيه الكعبة الشريفة في الجاهلية، وكانوا يصومونه أيضا، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوما تُستر فيه الكعبة» أي يكسونها في ذلك اليوم، وقد بقي الحال على ذلك في أوائل الإسلام، ثم تغير بعد ذلك، وصارت تكسى في أيام أُخر.
ومما يجدر ذكره في هذا اليوم أن اليهود كانوا يصومونه أيضا، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟»، قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال صلى الله عليه وسلم: «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه، وأمر بصيامه، وعن أبي موسى رضي الله عنه، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وإذا أناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بصومه، فأمر بصومه» لكنه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أراد مخالفة اليهود، فشرع للمسلمين أن يصوموا اليوم التاسع مع صيام عاشوراء، كما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، فقالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن نخالف اليهود في صيامهم، بأن نصوم مع عاشوراء اليوم الذي قبله، أو الذي بعده.
إن يوم عاشوراء يوم عظيم فاضل، فيه عظة وعبرة، نتذكر فيه كيف نجى الله موسى عليه السلام وقومه من فرعون وجنوده، ونتذكر فيه تعظيم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهذا اليوم وحرصه على صيامه، وفرضه على المسلمين في أول الأمر، ثم ترك افتراضه وبقاء سنيته، وجعل في صيامه تكفير ذنوب السنة التي قبله، لكي يستقبل المسلم عامه الجديد نقيا من الذنوب والخطايا.
الباحث بمشروع تعظيم البلد الحرام